الخميس، 8 أبريل 2021

تحدّي الكتابة (٨) بين الاستقلال والاستبداد..


في طريقي إلى العمل اليوم، تبادرت إلى نفسي خاطرةُ تقول "أحبّ أكون dependent" وليست بمعناها الذي يعتبر الإنسان عالةً أو تابعًا، ولكن بمعنى أنّ لديه من يستطيع الاعتماد عليه someone to relies on ولا أرى هذا يتعارض مع كون المرء يملك حياةً مستقلّة، ولا يتعارض مع الاستقلال الفكري والاجتماعي والمادّي. ولا يتطلب انحلالًا أو ذوبانًا في شخصيات من يعتمد أو يستند عليهم في حياتهم، ولا أن يكون نسخة من أولئك الدّاعمين... لكن أن يكونوا مصدر قوّة يحتاجها كما يحتاج المادّة والمعنى. 

وتذكرت هنا قولًا في أن معظم وظائفنا البشريّة فرديّة، كالتنفس والأكل والمشي والنوم. ورغم ذلك، نحتاج إلى الآخرين لنتحدّث، ولنرى انعكاسًا لما نقوله.. ورجع الصّدى جزء من حاجتنا لإتمام محادثة. لذلك قال دوبلن عن اللغة أنّها صيغةٌ من حُبّ الآخرين. 

وبهذا نصل إلى فكرةِ أنّ المُحِبّ لمن يُحب مطيع، تابعًا كان أو متبوعًا، وأعتقد أن فكرة التّبعية أصلًا، تتماهى أو تنعدم أمام فكرة الطّاعة. ولا يحدث هذا إلا إذا توقف أطراف العلاقة عن النّظر إلى بعضهما نظرة منافسين أو أنداد. لن تتحدّ الأفكار والرؤى ولن تصل إلى اتفاق أو منطقة توازن إذا استمرت المنافسة بين أعضاء الفريق الواحد. 

ولا أتحدّث عن هذا حديثًا خاصًّا، لكنّه واقع حياتنا جميعًا مع بعضنا، في المنزل أو العمل أو مكان الدراسة أو حتّى السّوق. لماذا يريد أن يحتكر الواحد منّا كرسيّ اتخاذ القرار ويستبدّ في العلاقة؟ يمكن لنَفَسٍ عميق واستعاذةٍ بالله من الشيطان وشرّه، وطول بال مع محاولة فهم واحتواء أن تصنع مؤسسة عظيمة! 

لماذا لا نريد أن نصعد معًا إلى القمّة؟* لماذا يريد كلّ فرد أن يستأثر بالنجاح جاهًا أو مالًا أو حتّى علمًا لنفسه؟ الله كريم ورزقه واسع وخيره وفير، والمكتوب لكل بشريّ لن يذهب لغيره، فلمَ لا نعين بعضنا لنصل في وقت أسرع بجهد جماعي يجعلنا نحتفل معًا بلذّة الوصول عوضًا عن الجلوس أعلى برجٍ عاجي منفردين وحيدين مغيّبين؟ 

قال شمس التبريزي "لا شيء أسهل من الكراهية، أمّا الحُب، فيحتاج نفسًا عظيمة". وكنت قبل أن أعرف ما قال، أؤمن أن من السهل جدًا أن يكون المرء بذيء اللسان سيّء المعشر، ورغم تلك السّطوة والقوّة التي يشعر بها ذاك ببذاءته إِلّا أنّه يملك نفسًا هشّة ضعيفة، لا تقوى على حمل شعور كالحُب يحمّله مسؤوليّة معنوية عظيمة. ولأنه شعور يهذّب نَفس الإنسان، ويُسكنها، لا يتحمّل ذلك الهدوء والاطمئنان من جرّب لذّة البغضاء التي تهيّج البشرّي وتشعره ببراكين الحياةِ تغلي داخله. 


أروى بنت عبدالله 
٢٥ شعبان ١٤٤٢هـ
٨ ابريل ٢٠٢١م

* تذكرت هنا كتاب "قلق السّعي إلى المكانة - لآلان دو بوتون"، كتاب ماتع لذيذ ومثري، أرشّحه لقوائم قراءتكم.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق