بسم الله الكريم، الذي منحني القوّة بالكلمة، وهذّب نفسي بالكتابة، وهدأ روعها في لُجج الأيّام بحِرفة نسج النصوص.. والاشتغالِ بِها. كم مرّةً خُضت معركةَ الفكرةِ بين الحروف وبقيتُ فيها حتّى انتصرت انتصار ليثٍ عنيدٍ لا يملّ من الطّراد إذا غَضِب. وكم مرّة كانت الحروف فيّ سِرب غَيم "إذا ثقلت حمولته يسيل".. وفي قصيدةٍ كتبتها عن نفسي عرّفتها في أبياتٍ مزهرةٍ في سلالٍ أعلى تلّة بالقول: "يُقالُ استحالتْ أَصابِعُ أَرْوَى، غُصُونًا تُسبّح ربّ الظّلال".
لعلّه رابع تحدٍ أُغامر بدخوله للكتابة المتواصلة، لكّنه هذه المرّة مختلف لارتباطه بالتزامٍ بين صديقتين أروى وميعاد. بعزمِ المشدود بالحَرف، والمنجذب له، والمشتاق لبثّه بلا أيّ اعتبارات تجعله يمحصه ويدققه أيّامًا ثمّ يركنه وقد خفت بريقه في نفسه فأحجم عن نشره.
يحمِل المغامرة وسم #تحدي_الثلاثين الذي بدأ الأستاذان عبدالله بن عمر وإياد السيّد خوضه في الانستجرام، ولعلّ الحماسة التي شهدناها فيه، أثارت في أنفسنا لقاءات الجامعة ومشينا من قاعات دورات الكتابة التدريبية -التي حضرناها للدكتور خالد الكندي والأستاذة بشرى خلفان- إلى مواقف السيارات حيث أركن سيارتي أو إلى المجمع الخامس حيث تقطن هي، وصوتُ عُهُود بيننا تتجول في غرفة ملاحظات هاتفي وتقرأ علينا بعض النصوص التي لطالما عاشت هناك في صندوق مدسوس يأبى عرض بعض ما فيه على المدونة.
قد يبدو من الاحتيال على التحدّي أن أبدأه بالتّعريف به، لكن لكل بحث مقدمة لا يستساغ متنه بدونها. وقد كنت قد قررت أن تدور نصوصي حول عالمين، عالم المذكرات، وأدب الرسائل. ثم اتفقنا على جعله مفتوحًا في النّهاية حتى لا نضيّق الثلاثين يومًا بشروط وحدود قد تعيق استمرار التّحدي أو تؤدي إلى خسارة إحدانا. فالهدف أن نستمر معًا، لنكتسب مرونة النّشر على الأقل، إلى جانب الفضائل التي قد تجود بها علينا تجربة الكتابة اليوميّة، أن تتجوّد النصوص باستخدام فكرة الاستمرارية لا انتظار الوصول إلى المثالية دون عمل جادٍ وحثيث.
ولا يمنع نهوض التحدي كرحلةٍ معًا، أن أرى ميعاد كمنافسٍ شرس، أجزم بانقضاض نصوصه على نصوصي انقضاض الأسد على فريسته قوّةً وأنفة. ولعلّ في قول عبدالرزاق عبد الواحد "وأعظم الشّعر ما أحسست أنّ به.. شيئًا يضيء ولكنّ أنت جاهِلُهُ" صورةً أقرب لنصوصها، إذ تضيء مدونتها بقصص ومقالات أديبة أريبة، تبني الفكرةَ بحكمةِ التّجربة وتقدّمها في قالب جميل المظهر والمخبر. والله المستعان على ما أوقعت نفسي فيه، إذ أكتب النّصوص عادةً آخر الليل، ولم أحسب حساب هذا النّص الليلة الماضية وها أنا ذي أُهرول بأصابعي بين الحروف في آخر ساعة من اليوم، ولا أنكر خشية أن أُخيّب أمل نفسي في أن أستمر هذه المرّة إلى آخر نَفَس، ثلاثون يومًا بلا تحايل أو تقاعس، ولا أن أُخيّب أمل ميعاد بخسارةٍ من اليوم الأوّل بالطبع.
قرأتُ مرّة عن أديبٍ أشاد بالمستوى الذي يستطيع المرء الوصول إليه في الكتابة، وكيف أنّ الأجيال الجديدة تعرف كيف تكتب بإجادةٍ لا مثيل لها. لكن كان أسِفًا من أنّهم لا يعرفون عمَّ يكتبون.. ولستُ أخشى من شيء خشيتي الوقوع في هذا الأمر، ودسست على إثره معلّقات وقصصا كثيرة كتبتها على مدار سنوات من الزمن الذي عشته أبحث عن سبب يجعلني أكتب كلّ ذلك. لا أقول أَنِّي استفدت ولا أنّي وصلت، لكن.. وفي وقت مثل هذا أنا أعرف لماذا أكتب، ولماذا أريد أن أكتب، ولماذا أستمر في الكتابة، وإلى أين أريد أن أصِل ربما.
وهكذا، نرّحب بمغامرةٍ جديدة، بدأت اليوم في الأوّل من أبريل ٢٠٢١ وستنتهي في الثلاثين من أبريل ٢٠٢١م بإذن الله. ثلاثون يومًا من الكتابة، الكتابة لذاتها فقط. مصحوبةً بالحماسَةِ والمنافسة، بالعفويّة والسّرعةِ والكثير من الأخطاء. لنتعلّم، ولنعيد الحياة إلى مدوناتنا، أماكن راحتنا، الصغيرة بهجرنا، والواسعة بما فيها من كلمات.
أروى بنت عبدالله
١٧ شعبان ١٤٤٢هـ.
١ أبريل ٢٠٢١م.
الخميس، 11:18م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق