الجمعة، 23 أبريل 2021

تحدّي الكتابة (٢٣) رسالة | إلى السُّعاة..


تتحوّل من كتابة الأفكار، إلى كتابة بعض المذكرات، ثمّ تجعلك قيمة الاستمرار تنتقل إلى كتابة اليوميات.. والغريب، أنّه لا يهُم ما تكتب، المهم ألّا تتوقف. هذه النظرة تقودنا إلى فكرةٍ منتشرة، تقولُ أن خوض الطّريق بمتعة أهم من لحظة الوصول. لكن، ماذا عن الوِجهة؟ ماذا لو كان الطّريق جحيمًا لا يُطاق؟ ولذّة الوصول التي ينتظرها السائر بصبره غاية أمله ومبلغ مناه؟ 

قد تتخبط في الطّريق وتتعب، يختلّ توازن الأشياء، بين أن تقدّم روحكِ أو عقلك أو جسدك، ستمرّ فيه بتقلّبات كبيرة وكثيرة، ستتهدم فيك أجزاء لم تتوقع أن تقوم بدونها، وسيبني الله فيكِ ما لم تتخيل امتلاكه. تسعى وتبذل كلّ ما تستطيع، لأن لك وجهةً تريدها، غاية تقودك لطريق آخر، تتابع به وفِيه سدّ ثغرك. 

يعرفُ الله أن ما يصلح لك لا يصلح لآخر، وما يصلح لغيرك لا يصلح لك، لذا جعل بين يديك الاختيار. اختر ما يقوّيك على العمل، ويشحذ همّتك. واحذر من الزهو والاعتداد بما عندك فتقعد إلا قليلًا، القعود يورث التعاسة والكآبة واليأس. 

لا تنظر إلى ما يفعله النّاس، ولا كيف يفعلونه، إلا بقدر ما يبصرّك بالصورة العامة لتجاربهم، لتبني تجربتك بوعي وبعد اطلاع. لا لتتبعهم، ولا لتدخل معهم جحورهم. ابحث عن محيط يخصّك، خُض فيه حتّى تطمئن إلى بقعةٍ صغيرة، ترسو فيها لترفع أعلامك الخاصّة المتفرّدة. 

هكذا أرى العَمل، وأخوض في الحياة بشيء من ذلك اليقين المشوب بالشكّ في بعض الأحيان. تصادفني دورات كثيرة، لكنني أعرف أي واحدة أريد وأحتاج أن أحضر. تصادفني فوائد وحسابات كثيرة، لكنني أعرف ما يدعم منها وجهتي فأتابعه. حتّى وصلت إلى مرحلةٍ لم أتوقعها، لا أمسك فيها الهاتف إلا وبين يدّي ورقة وقلم، أدون ما يمرّ عليّ من أفكار ومعلومات مهمّة، تخدم رؤيتي وتدعم رسالتي وتحثّني على البذل والعمل. 

هذه الأفعال البسيطة على قارعة الطّريق، التي لا تكترث بها ولا تظنّ بأثرها... استثمار عظيم لنفسك، يبني لك صورةً أصيلة نقيّة لها، تعرف بها حقيقتك، وتتضح في خضمها مبادئك. ستعرف بتلك الصُورة كيف تتحكم بنفسك وتُلزمها بما تريده أنت لا هي، ستعرف ما تكبح عنه وبه هوى نفسك. انتباهك وحده، سيصنع الشخصيّة التي ترى أنّك تريد أن تكونها، أو يجب أن تكونها لتحقق أهدافك، ولتستغل ما تملك من معارف وفُرص بطريقة صحيحة بعيدة عن العشوائية. 

توقّف الآن.. 

هدئ من روعك، ستطفو الأشياء على السّطح. دونَ أن تتكلّف أي جهد، ستتعجب، وسيبدو كلّ ما كان مخيفًا خيالًا غريبًا لم تعشه. ستنسى برحمةِ الله غرقك، وتعبك، وانهيارك آخر الليل من الإجهاد. ستعيشُ لذّة الوصول كأن لم تذق نصبًا. 

لن يساورك شكّ في عملك، ولا ندم على فوات ساعةِ نوم، ولا ضيق يضغط على صدرك. ستقف فجأة، لن تحاول النظر إلى الخلف، ولا الالتفات إلى أي شيء، ستقف فقط، فتتراءى لك صورة لمخلوق كان مشغولًا جدًا، لا يجد وقتًا لغير ما بين يديه من عمل.. لكنّه وبطريقةٍ ما، واقف، على منصّة ربما، يُتوّج، يُسلّم وسامًا، أو تاجًا من نُور. 

هل هذا أنتَ حقًا؟ كيف وصلت؟ لم أبلغ كلّ القمم، ولا القمّة العليّة التي أريد. لكن ماذا؟ كيف حلّقت إلى هُنا؟ 
هكذا فحسب، ستدرك أنكّ "قد تخيب مع الأسباب القويّة، وتمنح مع سبب ضعيف. كلّ ذلك لتعلم أن الأسباب لا تستقل وحدها بمنحك أو منعك، إنما هي إرادة الله وحده لا شريك له". 


أروى بنت عبدالله 
١٠ رمضان ١٤٤٢هـ
٢٣ ابريل ٢٠٢١م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق