مِنَ الفِتَن التي شاعَ ظهورهَا تبدّل قالبِ من كان على الاستقامة فانفصل عنه، بل وعندما تحوّل عنه أصبح أكثر أهل الفجور فجورًا. كأنه يحاول بكلّ ما يستطيع أن يثبت ميله عن ذلك الطّريق.
تجِد بينهم من رُزِقَ بأبوينِ صالحَين، أو أب صالح، أو أمّ صالحة... اتّبع خطواتهما صغيرًا، يدورُ بينهما يرتّل الآيات ويُسمّع المحفوظ. وما إن كبر قليلًا وانكشفت له الدنيا الدنيّة التي يعيشها جماعة من أصدقائه أو أفراد من محيطه، غرّه ما هم فيه من مُتع كاذبة وجمال ملفّق ولذّة معلّبةٍ مُصنّعة.
لا يعقِلون في نشوتهم بتلك السّكرات، نِعَم الله عليهم، وحفظه لهم بصلاح أهلهم، والابتلاء الثقيل العظيم الذي يلقونه على كاهِل من شَابَ شعر رأسه قائمًا بين النّاس ناصحًا مُصلحًا.
ويقول الواحد منهم مصعّرًا خدّه للنّاس، نعم أنا ابن الشّيخ فلان، هذا أبي، لكنّه في وادٍ قديم سحيق غير ذي زرع نافع لهذا الزّمن. وتقومُ الفتاة كاسية عارية نامصة متنمّصة متبرّجة، تتمختر وتتمايل متشبّهةً بأهل الفُجور، تمشي بين النّاس بالمنكّر وتشجّع عليه.. فإذا قيل أمّها فلانة، بُهِتَت الجموع الغفيرة، وقالت والله لو علمتها ابنتها أو ابنته، ما سمعت له كلمة ولا سألته عن شيء في الدّين. وَيَا لسوء ما يجني أبناء مثلُ هؤلاء على أنفسهم وعلى والديهم أمام ربّهم.
والفِتنَةُ في هذا شيوعُ الفِكرة، فتنةُ يقول متناقلوها أن أبناء الصّالحين أفسد خلقِ الله. ولأنّ في المجتمعات ما يُثبتها، أصبحت تتناقَل كحقيقة محضة. والحقّ في كلّ هذا أن الله يخرج الحيّ من المَيت، كما يخرج الميت من الحيّ. فكما يخرُج فاسد من صالح يخرج صالح من فاسد،
﴿مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ
وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى
وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾.
وبعيدًا عن تلك الصّورة... يخرج الصّالحون من منازِل الصّالحين! يخرج منهم حفظة الكتاب وحملة العِلم. فيشمخ من يرفع الرّاية بيمينه، ويحمل الكتاب بيساره. من يتحلّق حوله الطّلاب ومن يؤم بالنّاس ويخطبُ فيهم بالقولِ الحق.
ومن كلّ ذلك يجبُ أن يكون لنَا معَ قولِ الله تعالى ﴿وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا﴾ وقفة جادّة، لا نربط على أساسها استقامَةَ فردٍ بفساد آخر، وإن كان من رعيّته، ليس إخلاءً له من المسؤولية، ولكن إبعادًا لأنفسنا عن كرسي القاضي.
كما أنّ في آيات سورةِ الكهف، صورةً قريبةً من ذات الفكرة، بين الغُلامِ الذي قُتل خشيةَ أن يرهق أبويه طغيانًا وكفرًا، وبين غلامين يتيمين في المدينة حَفِظ الله لهما كنزهما بصلاحِ أبيهما.
لا تُبعِد هذه اللوحة من الصّور عن نفسك، بل انظر إليها، أيّ الأبناء أنت؟ وأيّ الآباء؟ وأي خَلق الله موضعًا في درب السّائرين إلى الله من أهلِ الاستقامة؟ ...
أروى بنت عبدالله
١٢ رمضان ١٤٤٢هـ
٢٥ ابريل ٢٠٢١م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق