الخميس، 15 أبريل 2021

تحدّي الكتابة (١٥) هاجِسُ الخِتَام..


يمكن لأي فرد منّا وضع خطّة محكمة ليتبعها في شهر رمضان، يبدأ بها من اليوم الأوّل حتى اليوم الأخير. يقرأ فيها ختمة أو أكثر، يجِدُّ في العمل مُخلصًا، يرطّب لسانه بالذّكر الكثير، ويشغل وقته بمتابعة المفيد من البرامج حين يتعب ولا يقوى على شيء آخر. يحتسب أجر عمله على تفطير صائم، ومواساة محزون، وعيادة مريض أو السُّؤال عنه. 

وفي حياةِ كلّ شخص ما يحبّ أن يتقرّب به إلى ربّه من عمل، ما يقومُ بهِ لله ولا يقعد حتّى يصل، يحمل همّه ويمضي فيه صادق الإيمان مُخبتا. وفي خضم كلّ ذلك، يراود الإنسان فرح بعمله، فيردعه عن ذلك الفرح هاجس خوف، يلهج على إثره بالدعاء "اللهم إني أعوذ بك أن أكون من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، اللهم إني أعوذ بك أن أكون من الذين يصرفون أوقاتهم في أعمالٍ لا تقرّبهم إليك، بل وتبعدهم.. 

يتراءى بعد كلّ ذلك، الهمّ الذي يجب ألّا ينساه العامل إلى جانب همّ إتمام ما ينوي، همّ القَبول. والهمّ هنا ما يشغل بالَ الإنسانِ ويؤرِّقُ فكره، فيختم أعماله بقولٍ يخرج من عمق قلبه فيملأ فاه "ربّنا تقبل منّا، ربّنا تقبّل منّا، ربّنا تقبّل منّا". فلا يرى بعد ذلك من قرابين غيره شيئًا، ويسعى صادقًا مخلصًا لينالَ ذلكَ القَبول، ونبضه يأمل أن يكون من المتّقين ‏﴿إِنَّما يتقبَّلُ اللهُ مِن المُتَّقِين﴾. 

تذكّرت مقطعًا من نشيد حفظته صغيرةً حينَ كان نغمة رنين هاتِفِ عمّي مُحمّد، يقول مطلعه: "أحزان قلبي لا تزول، حتى أبشّر بالقَبول. وأرى كتابي باليمين، وتقرّ عيني بالرّسول". كنت أتأمّل الكلمات طفلةً وأقولُ ياربّ متى تزول أحزان عمّي، ظنًّا مني أنّها آثار الابتلاءات التي اختاره الله لها في هذه الحياة. مضى الزّمن، ولم تغب الكلمات عن ذهني أبدًا، وبقيت مع صورةٍ لعمّي وهو جالس في مقدمةِ حافلةٍ عائدة من مكّة إلى عُمان، تعرّضت لحادث سير. سلّم الله عمّي وحفظه، وحفظ له تلك الصّورة في قلبي. حتّى أكبر وأدرك، أن الأحزان التي لا تزول، كان سببها همّ القَبول، همّ استلام الكتاب الأخير باليمين، وهمّ اللقاء المرتقب بالحبيب ﷺ. ويا لضياع العُمر دون تحقق ذلك اليُمن والسّعد في الختام. 


أروى بنت عبدالله 
٢ رمضان ١٤٤٢هـ
١٥ ابريل ٢٠٢١م 
 


هناك تعليق واحد: