الاثنين، 5 أبريل 2021

تحدّي الكتابة (٥) تهمةٌ ملفّقة..

 

نفْس الأشخاص الذين ينشرون بشكل مستمر مقولات عن قضاء الحوائج بالكتمان، يغضبون إذا فعل صديق لهم شيئًا ولم يخبرهم. وأعجب دائمًا ممّن يقول أنّه يتغيّر وأن في الأيام من الظّروف ما يعذره عن النّاس، وأنّك يجب أن تضع بعين الاعتبار كلّ هذا قبل أن تتحدّث إليهم أو تطلب منهم أمرًا. لكنهم في المقابل لا يُسقطون ما يقولون على الطّرف الآخر في العلاقة، الذي يتغيّر أيضًا وتمرّ به من صروف الزّمان ما خفي عليهم، وتتقلّب به ككلّ البشر. وفي هذا داء فتّاك لا يستهان به، فبسببه تعزز الأنانيّة، ويقلّ حسن الظن، وتقطع أوصال علاقات طويلة لم يدرك أطرافها جوهر المشكلة. 

يُعالج الأمر في نظري قول رسول الله ﷺ "أحبّ لأخيك ما تحب لنفسك"، من حسن المعاملة، وحسن الجوار، وحسن الظن. وألّا ترضى عليه ولا عنه أي حديث أو نقل قول. لا أحد يعرف الحقيقة الكاملة غير الله -عز وجلّ-. وقد ثار المعنى في نفسي هذه الأيّام لما يحدث من لغط بين جماعات كبيرة من الأقرباء والأصدقاء، لم يسلم منه من التزم بالإجراءات الاحترازية خاصّةً. بين من يرفض التجمعات رفضًا قاطعًا وبين من يسخر ويفاخر بمخالفاته لكل إجراء. فترى من المخالف ما يتهّم به الملتزم، إذا رآه خارجًا لعملٍ قال إذن تخالط النّاس ألسنا مثلهم؟ وإذا عرف أنّك تحضر محاضراتك في الجامعة، قال تخالط النّاس ألسنا مثلهم؟ وحتّى وأنت جالس في منزلك يقول ألا تتبضع؟

ويغفل عند ذكر كلّ ذلك، أن لكلٍ مساحته الخاصة في العمل، وأن لقاء الموظفين محدود ويكاد يكون معدومًا، وأن الكلّ حريص وملتزم بكافّة الإجراءات. ولا يعرف أيضًا ما تتبعه الجامعة من إجراءات احترازية، وأن في كلّ قاعة كبيرة ثمانية طلاب، بين كل فرد منهم والآخر متران عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه. وبالطّبع، لن يلتفت للإجراءات المتبعة في المراكز التجارية والأسواق لأنه يراها بلا جدوى. وهل يُلتزَم في اجتماعات الأقارب أو الأصدقاء بشيء من كلّ ذلك؟ ... لا مقارنة. 

سيرى كثيرون أن كلّ ما طُرح من آثار كورونا على المجتمعات والعلاقات، والحقيقة أن كلّ ما فعله تفشّي هذا الوباء: إظهار ما في النّفوس، لا يتحكّم كورونا في ألسنة المغتابين، ولا ألسنة المشجّعين على المخالفات. لا يزرع كورونا الحقد في القلوب وكلّ من سمح لنفسه أن يتّخذ موضع المحارب والفريق المضاد ملتزمًا كان بالإجراءات أو مخالفًا.. هو اختار طريقه، واختار حربًا سلاحها النميمة وتتبع تصرفات الآخر، صدّق فكرة المؤامرة ويريد أن يمتثل كلّ خلق الله لما يؤمن به هو، دون تحكيم ضمائرهم ولا إيمانهم ولا اعتقادهم الخاص. 

تتجلّى في مثل هذه المواقف الحريّات. حريّة أن يتخذ المرء طريقًا دون أن يلحقه أذى لا من قريب ولا من بعيد. حريّة أن يصبر ويحتسب على كلّ إجراء، ويعتكف في منزله رافضًا كل اجتماع. وحريّة أن يعترض أيضًا على كلّ إجراء يضرّ به، ويؤثر على مصدر كسبه. لا يُجبر النّاس في مواقف وأوضاع مثل هذه على قرارات هوجاء تتخذها عائلة أو مجتمع. 


أروى بنت عبدالله 
٢٢ شعبان ١٤٤٢ هـ
٥ ابريل ٢٠٢١م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق