الجمعة، 2 ديسمبر 2016

بلا عنوان: لأنّ العناوين خُدعة..


صباحُ اليومِ جميل، لأن لي من آل جميل صديقة صدوقة. دعابة حقيقية. استسخاف في الكتابة من أوَّل اليوم؟ يا للهول. 

 بينما فقدتُ فرصةَ لقاء فتيات الحلقات للمرّة الأخيرة هذا الفصل، أراني جالسةً دون أن أكلّف نفسي حتّى عناء رفع عباءتي عني. على قارعة الطّريق كما خُيّل لي، التي تتمثّلُ في الحدِّ من درَجِ بابِ المنزلِ الأمامي. صوّرت لصديقةٍ مقطعًا صباحيًا في ال'سنابشات' ثمّ تذكّرت أنّ حسابها مُغلق. وجدتني حينها أصوّر جدران المنزل الخارجية. هل كنت ألتقط صورًا لأصدقاء الوهم الذين أحدثهم كثيرًا؟ لا أعرف. لا يهم، كل هذا لا يهم. 

"أنا بغدادُ يا عربُ، عروبتكُم غدَت عورة، سأصرخُ دونما خوفٍ، وأُعلن أنني حُرّة". حسنًا، لأعترف علنًا ولو مرّة! أنا   لا   أريد   كتابة   أي   شيء   مهم. وهذا مؤسف. في كلّ مرّة أرى نظرةَ اللاجدوى تستلذ توسعها في عيني تجاه هذا العالم، أستخفّ بكلّ شيء ولا أخذه على محمل الجِدِّ. لمَ قد نكلّف أنفسنا عناء رفع كلّ هذه الآمال على أكتافنا؟ أستاذ الفيزياء قال يوم أمس: إن حقيقة أن كلّ ما يحدث الآن على أكتافكم لن تتغيّر، شئتم أم أبيتم ستحملون كل هذا عليها، كله. يذكّرنا كلّ يوم بأننا لا شيء. ل ا  ش ي ء.  تمنّيتُ أن تَخَلُق كلماتُه صدًى قاسيًا يصِلُ إلى آذان كلّ طالب جامعي، يرى بأن الدراسة الجامعية نهاية المشوار المدرسي المقيت. يَقُولُ: آمنوا، أَنَّكُم لا شيء. اعملوا عَلى أنفسكم. حتّى شهادة التخرّج ليست ملعقة ذهبية ما لم يكن في سيرتكم غيرها. 
لمَ أقولُ كل هذا؟ لا أعرف ولا يهم أن أعرف. 
تبًا للعالم الذي يأكلني لأحمله مستقبلًا مُثقلًا بما فعل. من الجيد أن هناك من يصغر حين يكبر الآخرون. لكن من يدري؟ قد يحمل الصغار على رؤوسهم ما لا يحمله ألف رجل كَبُر على كسله، وألف امرأة نضجت على الترهات. الحقيقة كلّ الحقيقة، أن الأطفالُ الذين يشهدون على العالم استخدامه كلّ وسائل المّوت لقمع ذويهم بإبادتهم أكبر منّا جميعًا. 

مما لا يهمُ أيضًا، أنني لا أعرف ما إذا كنت سأرتكبُ حماقةَ نشرِ هذه المقطوعةِ المتضاربةِ أوصالها. أؤمن أنني سأندم على كلّ الحماقات التي لم أرتكبها، لكنني وحتّى اللحظة، لا أريد فعل شَيْءٍ منها. حتّى فكرةُ النجاةِ من الجلوس على قارب صغير تتصارع فيه الكتب بما فيها، في جو عاصف وسط بحر من الكلمات ليست مبررًا لرمي كلّ هذه الأرواح جانبًا ومواصلة المسير بلا روح. عليَّ التوقف هنا، أنا أعطي عملية قول كل هذا للعجاج استمرارية لا يستحقها شيء. وداعًا. 

١٢:٠٣ ص. 
٢ ربيع الأوّل ١٤٣٨ هـ. 
٢ ديسمبر ٢٠١٦ م. 

الجمعة، 5 أغسطس 2016

من الذي قال بأن الكتابة ستريحكم؟




ثلاث فناجين قهوة تشتكي الفيضان بعد وجبة غداء متأخرة كانت كفيلة بإثارة بكتيريا القرحة في معدة فتاةٍ ما. الخِناق الذي يشدُّ مِئزَرهُ على خاصرةِ الأيّام التي تعدو بسرعةٍ شرسةٍ محاولةً افتراسَ نفسها كفيلةٌ بإبعادي كلَّ البعد عن رقعةِ الشطرنجِ التي تتناطحُ فيها ثيرانُ الأفكار بشكلٍ عشوائي ومبتذل كمسرحيّة هزلية لم يضحك فيها أحد. 

-نوم- 

من الكاذب الذي قال بأن الكتابة تُريح النَّفس وتمنحنا فرصةَ التنفس من جديد؟ كيف يمكن لهذه اللعنة التي تصيب أجزاء كلّ شيء بالجنون أن تكون مُسَكِّنةَ آلام أو مطبطبةَ جروح؟ كيف تتحوَّل حديقةُ الأقحوان الجميلة إلى مردمٍ للنفايات الصناعيّة، بعد أن منحت العطر ما منحت من رائحةٍ تُسكِر كثرتهَا لياليَ السَّمرِ الطويلة! 

-نوم-

كيفَ يُمْكِنُ لفتاةٍ بعباءةٍ سوداء ثخينة منسدلة بخِفة لا يظهر منها سوى أطراف زرقاء، ووجه باهتٌ من خُضرَتِهِ وملامحه الجامدة كليًّا مقارنةً بعينيهِ السابحَتين في بقعة ضوء صغيرة، وسطح قاعة دراسيّة أبيض بأضواء صفراء تُسبب الصُداعَ وتستجلبُ النَّوم. النَّوم. 

-صداع،
جدارُ الغرفةِ يدورُ ..
عينا الفتاة النائمة شبه مفتوحة،
شيءٌ ما يحاولُ الخروج منهما
يبدو كطائر، ألمحُ ظِلّ رفرفةٍ قاتم
نصفهُ مفصولٌ عن نصفِه،
سببُ تباعدهما القسرِي، 
يتجلى كصورةٍ مقطوعة 
سقطتْ مع ريشةٍ من جناحِ العينِ اليُمنى-


الكواكب كلّها تُضيء، وحدي كبلوتو المظلم، قارصِ التفاصيل ببروده، و ... ثِقله رغم صِغَرِه. ما الذي قد ينطوي فينا دون وعي بيّن؟ الكينونة المخبوءة في الإيمان التّام بالعقل بعد ارتداد القلب عنه، ما الذي يلوي ساعدهَا هكذا ويمنع خروجها من سطوته؟ ما الذي يجعلني أسطِّر كلّ هذه الترهات بلا معنًى؟ 
يبدو -وأخيرًا على الأرجح- وجود إجابة للسؤالٍ ما! 
أُسطّرها كعريضةٍ تتطلبُ توقيعي يمينًا ختام ورقتها الأخيرة، لأُغادرَ سِجنَ المنطق الممتثل في صحن من ذهب مُقَدِّمَةَ جباه كلّ الذين يكتبون تخففًا. توقيع وهمي على قارئ صغير كآلة حاسبة في مركز الشرطة، وهم كضحكة الشرطيّة المتعجبة من فهاوتي التي جعلتني أصل عندها بينما تنام بطاقتي الشخصيّة مع مجموعة أوراق ملوّنة في مكتب حياتي الأبيض في المنزل، لأُغادرَ بلا إتمام أي إجراء. 

-عدت، أخذت بطاقتي 
وقصدتها مجددًا..
الظلّام مفيد، الظلام يشرح السّعادة لأنه لا يسعُ الحزن، فيه هالة لامعة جميلة لا يتمتع بها دُعاة الضوء، كنشوة بعيدة لا يصلها المُغفلون بلا قلق يساور أرواحهم- 

الحياة ليست لُقمَةَ أرزٍ أبيضَ أصبحت سائغة لأنّ رشَّة الملح التي حُذفت عليها كانت محسوبةَ الحبّات ذَرَّةً ذرّة. والكتابة كذلك، ليست فعلًا أو مهارةً نجلس إليها مستجلبين دخان تعويذة ترفع أكتافنا كأثقال مركونة إلى بعضها في آلةٍ على يمين صالةٍ رياضيّةٍ. إن لم تكُن مما يرفعك ليسقِطَك إلى دركٍ أعمق فهي هواية تسير على سكّة قطار نفقي، تبحث عن دائرة ضوء تمدُّ يدها نحوها لتُمَدِّدَ طولهَا وترفعها، هواية قد يدهسها قطار الأيام إذا لم تَحرِّكها بعزيمةِ جعلها تجليًّا كموهبةٍ هزمت خوفها ووقفت على مسرح يوناني بعد محاولات اغتيال كثيرة. 


الرَّسولُ الأخير صلوات العظيم عليه قال مرّة أن المؤمن لا يَكُونُ كاذبًا أبدًا. هل تؤمنون بالتفاصيل الصغيرة التي قد تحيلُ حياتكم إلى وَيْلٍ سحيق؟ تلك التي ترسم نفسها في سيرورة، كاقتباسةِ حريّة وجدت نفسها معلَّقة وسط جبينِ السجن بخطٍّ أحمرَ متراقص، لا تصلهُ أصابعِ المُنظِّفات. تؤمنون بالنّعيم المتمثل في انحناءةِ مُسنٍ إلى طفل بَاكٍ؟ سجدة مُسن انزلق من كُرسيّ صلاته؟ 
بداءةً، ...

-ماذا؟ 
كيف أتت البداءةُ بعدُ كلّ ذلك الهذر؟ 
ما مكونات نَصّ حصل على مقدمةٍ كهذه؟ وما الخاتمةُ التي يُرجَّحُ أن يُختمَ بها؟ لا يفكر المجانين بذلك، بل ويختمون الحديث عُنوة، وكأن شيئًا لم يكن، دون زيادةٍ أو نقطة حتّى تُمسك نهاية الحديث من سقوطه بين يدي متابع/ معجب/ قارئ أو حتّى ناقد! - 

على كُلٍّ، البداءةُ في السؤال الأوَّل من الفقرة الثانية في الأعلى. سَلَام ..

أروى بنت عبدُالله 
٢٨-٢٩ شوال ١٤٣٧ هـ. 
٢-٣ أغسطس ٢٠١٦ م. 
٦:٣٢ م - ٢:٤٠ ص. 
الثلاثاء - الأربعاء. 

الأربعاء، 13 يوليو 2016

رسالة طويلة | بلا وِجهة ..








أشعرُ بالكآبة. وداعًا. 











كدتُ .. أختمُ الرسالة حقًّا، وأرسلهَا هكذا. 
لولا أصابع البطاطا المقليّة التي أحضرتها أختي التّوة. أصابع؟ ماذا لو كانت أصابعي هي المقليّة وشجيرة البطاطا تلتهمها لتكبرُ وتصبحَ بطاطا تأكلها أنت؟ هل بدأت تتخيل الأصابع تطفو في مقلاة الزيت السَّاخنة؟ هل تحولت إلى *نقانق* بعظام يتطلب نزعها؟ أخرجها من خيالك سريعًا قبل أن تحترق وتُغصَب على أكلها حتّى لا تكون مبذِّرًا برميها :) .. 
دعك من أصابعي الآن. هي تشتعل حقًّا، ستُّ أصابع أربعة منها متقاطعة يتكئ عليها ظهرُ الهاتف وبين سلك السمّاعة وسلك الشحن خنصرُ اليمنى بينما يطير خنصر اليسرى في الهواء، بعيدًا. السبّابتانِ، كعمودي إنارةٍ، تقفانِ باستقامةٍ على جانبي هذه الشّاشةِ الصغيرة بينما تُمارس الإبهام وتوأمها رياضة القفز على الحروف المطلوبة. 
اشتعالها أقوى من عينِ الفرن التي كادت تذهبها طعامًا قبلَ قليل. عين؟ تشتعل؟ كيف؟ هل يمكن للنيران أن تكون في عينك؟ أن تخرج من عينيك؟ هل يبدو خيالك مضحكًا بسبب شكلِ السّاحر الذي قفز إليك فجأة؟ أم لأنّك تذكّرت تنين الطفولةِ ينفثُ نارَهُ؟ ماذا سيحدث لو أنك تنين؟ تطير بجسدٍ ضخم، وكلّ ما يحملك جناحُ بعوضة! ترفرف باحثًا عن شجرةٍ تحرقها أو أرنبٍ تشويهِ لغدائك. توقّف، السّلام كلّه فيهما. 
ملحُ عينيك الذي يتقاطر، كان مالحًا جدًا. أنا لا أُحبّ ال*كاتشب* لذا لا أستطيع تخفيف ملوحةِ هذه البطاطا بشيء، ماذا أفعلُ بها؟ هل أتركها في الطاولة؟ ستكون فكرة وجود طعام للعَابرين في الطاولة جيدة، لولا أن الأصابع ستتحجر. 

تبًا، حتّى عندما تحوّلت أصابعي المكوّنة من ملايين الأجزاء الدقيقة عظيمة الصنع إلى أصابع بطاطا مجمَّدة جاهزة للقلي/ كانت بلا جدوى. مالحة، متحجرة وتشعل خيالاتٍ مأساويّة جدًا. 


يا للسخرية! لعلّ أثر تكدّس المكنوز من الحروف ظهر بشكل واضح هنا، تصويرات وكلام بلا ... آسفة حقًّا لجعلك تقرأ كل هذه الترّهات أيها الزائر الغريب. كنتُ في الحقيقة أحاول التخلص من ثقل الحياة بهلوسةٍ عابرة، أردت الشعور بعدم الجدوى من تعويذةِ الكتابة، لوهلة. لكن تعلم أن ما نتخلص منه تخففًا يثقلنا أكثر. 

هه. بطاطا وأصابع مقلية، *نقانق/ كاتشب/ ملح* عيون تشتعل وتنين طائر. تبًا. كيف تنتقل الحروف بين الأزمنة بحُمقٍ هكذا. 

كنت أفكر بالموت، بِالشِّعْر والشُّعور، بالحياةِ. بعظمةِ الأثر ولطف الإله. بالمُعلمين واللُّغة. 
بـ ...
٢:٠٠ ص. 


سلام .. 
صباح الخير، 
كيفَ يمكن أن ينام من يفكر بتلك الأمور؟ من أنا؟ يبدو أن الهاتف انفلت وسقط علي دون أن أشعر بهِ حتّى، وجدتهُ ملتفًا حولي بأسلاكهِ، السّماعة لم تسقط من أذني. لا يهُم. كان يفترض بي بعث الرسالةِ وقتها لَكِن الآن لا أعرف حقًّا ما إذا كنت سأفعل أم لا، الصباحات يجب ألّا تُحمَّل كل هذه الكلمات. 

صباح يوم أمس، في هذا الوقت وقبله بدقائق. كُنت أبكي. العَجب يكمنُ في أنّ صباح ذات اليوم، من الصيف الفائت تمام الحادية عشرة ظهرًا، كنتُ أبكي أيضًا. ولأن لبكاء الصباح أسبابه، يشيب رأسي وأنا أفكر بالقَدر الذي منحني دموعًا تذرف مرارةَ فقدٍ مبكّر وحبًّا لذاتِ الإنسان! في حفل تخريج طالبات الدورة الصيفية في كلية العلوم الشرعية يوم كانت المربيّةُ العيسريّةُ ترعى الحفل، خرجتُ وهي تسلّم المُشاركاتِ شهاداتهنّ، خرجتُ اضطرارًا مرغمة. بكيت لأبي في السيّارة، ما بكِ؟ أردت أن أبقى حتّى النّهاية لم أصافح معلمتي بعد ولم أسلّم عليها حتّى. قال: من؟ قلتُ له: الأستاذة عزَّة العَيسريّة. قال: بسيطة، جيراننا وسآخذك إليها متى شئتِ. أخبرته مُذكِّرةً أن الأمر مختلف هنا، لا أُحبّ الزياراتِ الخاصّة، أُفضّل لقاء النَّاس حيث وجدوا. في أماكنهم حيثُ أزهروا وجعلونا نُزهر. مرّ عامٌ بالتّمام. على خروجنا من قاعةِ الدرسِ التي جمعتنا، صوتها، دروسها، نصائحها. وابتسامتها. ابتسامتها يا ربّ، و ا ب ت س ا م ت ه ا.  سلامُ الله على روحكِ. سلامُ الله على روحكِ. إنَّا لله وَإنَّا إليهِ راجعون. ... 


الحديث عن العظماء قاصر مهما بلغ، 
    والقصّةُ أكبرُ 
مِن كُلِّ حكايا الـ 
قَوْم، 
فالدَّمعُ يسابقُ،
ويفوزُ الدَّمع
وتفوزُ الدَّاعيَّةُ الفُضْلَى 
بقلوبِ الكلّ. 
بدعاءِ الكلّ. 

----- 

عن الرّسالة:
التي جاءت بلا عنوان واضح، بلا مقدّمات تحمل طعمًا لمستقبِلِيهَا. من يريد أن يقرأ ما أكتبه سيقرأ، حتّى لو كتبتُ حروفًا متلاصقة بلا معنًى. سيمرُّ عليها حرفًا حرفًا محاولًا إيجاد كلمة. 


علي الذّهاب الآن، 
سلام .. 

أروى بنت عبدُالله 
٨ شوال ١٤٣٧ هـ | ٨:٤٩ ص. 
١٣ يوليو ٢٠١٦ م. 
الأربعاء. 

الاثنين، 27 يونيو 2016

رسالة | من السُّوق ..



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  
لا أجيدُ صفَّ الأعذارِ، وقد اعتذرتُ سلفًا عن حادثةِ تأخيرِ هذِهِ الرسالةِ الموقرةِ بسببِ عنادهَا. التي بقيت تصولُ وتجولُ في ذاكرتي وحتّى مخيّلتي حتّى هذه اللحظة التي أكتبها فيها. أفكر أحيانًا بإمكانيّةِ نسيانِ الأمورِ التي أكتبها، ما ألبثُ قليلًا حتّى أقول لنفسي: لا لا يمكن، الكتابةُ تجعلّها قابلةِ للتذكّرِ أكثر لأنها خُلدت مرصوصةً إلى بعضها. ثمّ لوهلةٍ أظن بأنها تخفف حِمل الذاكرةِ لتمنحَ المخيلةَ مجالًا أوسع وأوسع. وكلّ هذه الاحتمالات، ما هي إلا وساوسُ بشري، لم يجد ما يفعله في الحياة بأريحية تامّةٍ ودونَ تكلُّفٍ سوى الكتابة. 

لا أعرف حقًّا ماذا تريدُ مني الْحَيَاةُ ولا ما أريدهُ منها. بعد الأعوام التي بقيتُ فيها أقتاتُ كلّ شَيْءٍ من أُمي وأرتوي من عرقِ أبي. تبدو مواجهةُ المستقبل فكرةً مخيفةً تدفع بي نحو الشتات والحزن، وغامضةً للدرجةِ التي تغذّي فضولي. أراني في أحيان كثيرة، كقنبلةٍ موقوتة تكوّنها التناقضات والقلق. 


العاملةُ هُنَا تقرأُ مقالًا بالإنجليزية، وتسلّمُ على المارّة وتصافحُ النساء. يتوجسون منها خيفةً فيتجاهلونها، ما المخيف في امرأةٍ بتجاعيدِ وجهٍ تجعلنا نخمّن عُمْر خبرتهَا في الحياةِ، وفي يدها المتعطشةِ إلى يدِ عابرٍ يمسحُ على انحناءاتها بلمسةٍ خاطفةٍ جدًا. حدودُ نظّارتها الذهبيّة ذكّرتني بالأجدادِ وشخصيّاتهم التي تتقلبُ كثيرًا. أهي جدّةٌ بعيدةٌ عن خصلات شَعرِ أحفادها الصغار؟ 

قبل خروجي من المجمع التجاري، كنتُ أختارُ عصيرًا أروي بهِ عطشي وتعبي الذي بدا متلاشيًا لولا حسّه بعد تلك المحادثةِ السريعة. أخذتُ عصيرَ طماطم -متناسية كرهي الكاتشب، ومتعللةٍ بمذاق الطماطم الطبيعي-، قلت لأجرّبهِ بعدَ انقطاعِ أربعةَ عشر سنة، أي منذُ وفاةِ جدّتي التي تحبّهُ وتشربهُ كثيرًا. لعلّ السبب الذي جعلني أختارهُ، هو ما جعلني لا أفتحُ علبته حتّى فقدَ برودتهُ وحتّى اللحظةِ التي أغربل فيها تفاصيلَ ختامِ الرسالةِ هذه. 

يبدو أمر توجيه الرسائل العامَّة مريبًا. قد أتذكرُ شيئًا وددتُ لو كتبته بعد أيام أو أشهر. لكنّهُ ممتع، إذ يكشف لك جانبًا لا تعرفهُ عن نفسكِ بعد رؤية ما وَجَّهتَهُ للآخر، يومًا ما. 

دمتُم بودّ،
أروى بنت عبدالله ..
١٢:١٢ ص | ٢٥ شعبان ١٤٣٧ هـ 
الأربعاء ١ يونيو ٢٠١٦ م.

الأحد، 22 مايو 2016

الريحانُ مريض.



الريحان مريض. شتلات النعناع الصغيرة مريضة. لم أستنشق هواء العصريّات الذي اعتدته منذ ثلاث أسابيع على الأرجح، اخضرار عيناي تلاشى وما عدت أراه إِلَّا في الصور. 
أصابعي متجمدة وأنا أكتب هذه الكلمات من تحت بطانيتي عوضًا عن رفع نفسي وإقامتها لإغلاق جهاز التكييف بضغطة زر. 
الكتاب الذي بحثت عنه أشهرًا طويلة وانتظرت وصوله، علقت في صفحتهِ التاسعة بعد الثلاثين منذ خمس عشرة يومًا. 

القاعات الدراسية تلعب لعبتها في جعلي أواجه وجوه جديدة في ثلاث مقررات الفصل الصيفي الذي بدأ منذ أسبوع، واستنادًا لما رأيته من معلمِّي الجدد وجدتُ أن علي العمل على نفسي بشكل كلي. 

الاختلاط المقيت يزداد جرأةً يومًا بعد يوم، الحديث عن أدق الخصوصيات بين الجنسين أصبح مسموعًا للجميع بشكل طبيعي جدًا، ومقزز. 

التملص من المجتمع ليس صعبًا، اتخاذ زاوية في مساحة الاستقبال أمر سهل، الجلوس إلى طاولة في زاوية المطعم سهل أيضًا، كما أن المصلى فارغ لمن أراد قضاء استراحته فيه أو حتّى أخذ قيلولة. 

ومع ذلك، أجدني في أحيان كثيرة مجبرة على الجلوس إلى جماعة تفرض وجودها حولي أينما ذهبت، منها أرى أنني أكبر من أن أركن نفسي إلى رف في مكتبة أو أصيّرني سجادة صلاة، وأضعف من أن أكون شجرة تواجه أتربة مرتفعات بوشر والشمس الحارقة. 

مرّ الأسبوع الأول بكل فروضه وبدأ الثاني وأنا لم أفتح كتابًا لأدرسه بجديّة، كما لم أُقلب كتبي حتّى. المطالعة التي لطالما شُغفت بها تلعبُ الغميضة في مكانٍ ما. وأنا مخبوءة في أوراق مسوّدة مهملة لم أكلف نفسي عناء رفع غلافها وتحريرها. 

أرجو أن يكون فصلًا لطيفًا، وأن أعود تلك الفتاة التي تُخيف الناس بشغفها المفرط بالاطلاع على كل شيء، التي لا تفوّت أي كلمة تواجهها في الحياة لأنها تؤمن بأنها ستنفعها يومًا. 


أروى ١٥ شعبان ١٤٣٧ 
الأحد. 

الأحد، 1 مايو 2016

قراءة في كتاب #اختراع_العزلة لـ بول أوستر




موقف فقدان العضد الذي يستند عليه أي شخص في الحياة يحمل مشاعر لا يمكن الاستهانة بها. وهذا ما ظهر من بول أوستر وهو يحكي تفاصيل التفاصيل عن والده، بالرغم من كونه لم يعش معه اللحظات التي تعكس روح الأبوة. كتاب "اختراع العزلة" ليسَ رواية عابرة، إذ هو كتاب فكري يُحلل فيه الكاتب العزلة التي عاشها والده بصور شتى بدءًا من نمط حياته قبل زواجه وبعده وبعد انفصاله وعندما مات. 

بعد أن أنهيت الرواية وقبل قراءة كتاب الذاكرة الملحق في آخر الكتاب، التفتُ نحو أمي التي كانت جالسة على بعد سنتيمترات معدودة على يميني وقلت: يا لشجاعة بول أوستر! لقد فضح الحياة المشبوهة التي عاشتها جدته، ووارتها بتنقلها من أرض إلى أُخرى. حياة الشتات التي عاشها والده والتي قد تكون سببًا في تكوّن شخصيته الجافّة تجاه ابنه وابنته وزوجته والحياة من حوله حتّى. قد لا تضيف الشجاعة التي عاند بها أو العناد الذي تشجّع على إثره ونشر ما نشر إلى العالم شيئًا لكنّه عكسٌ لطبيعة الإنسان التي لا تتحمل السوء الفاحش الذي تعرفه بعد بحث طويل دون أن يكون بين يديها الخيار لتغيير شيء فيه. لذا فالطريق الوحيد المتاح أمامها لنقل الحوادث السوداء هو الكتابة، الكتابة الحرّة التي تجعلك ترى العالم بصورة حقيقية لا زيف إعلامي من كلام الجرائد المتداول، الجرائد التي نقلت براءة جدته وحزنها وأسفها الزائف.
حياة السّيد سام كانت لنفسه، الصورة التي تتبادر إلى الذهن سريعًا. إذ أنه لم يترك أثرًا يذكر لابنه بعد رحيله من حياته. ولم يتأثر من انفصال أسرته عنه لأنه لم يكن معهم منذ البدء. على الرغم من كونه يعتني بحي فيه مبانٍ له يأجرها لأُسر تعيل نفسها بصعوبة، يساعدهم في صيانة ما يحتاجون ويتساهل معهم في دفع قيمة السكن. إلا أنّه لم يكُن أبًا قط. حياته لا يمكن أن تختصر في كليمات هُنا وإلا لما كُتب الكتاب ذا أصلا. عاش بنمط معروف، متعلقاته التي ذكرها بول تصيب القارئ بالكحة لتكدس الغبار فيها، إذ كان يعيش برتابة تعكس داخله كما يظن من حوله، وذلك قطعًا بسبب المراوغة التي يعيش بها معهم.

 في النهاية أحسبني سأنتظر كتابًا آخر باسم السيد أوستر يقدّمه ابنهُ دانيال بقوله: هذه الحلقة المفقودة في شخصيّة جدي والتي لم يجدها أبي لأنه لم يبحث في حديقة المنزل عن أي مذكرات. إذ لم ينقل بول شيئًا حيًا عن والده، كانت كل الصور ميتة بشكل باهت جدًا. الكتاب من العيار الثقيل، نفسيًا وفكريًا. يستحق تقييم الخمس نجمات لولا بعض الشتات الذي يعكس الضغط الذي يمر به هذا الشاعر في "كتاب الذاكرة" الذي ختم به الكتاب.


أروى بنت عبدُالله  
23 رجب 1437 هـ
30 ابريل 2016 م
السبت.

السبت، 23 أبريل 2016

قراءة في كتاب #أسطورة_الكتابة كتاب ينقذ طفلًا




لا يخفى على أي مِنكُم الكاتب القدير إبراهيم نصر الله، الكاتب الذي أتحاشى حتّى اللحظة قراءة سلسلته الملهاة الفلسطينية. والسبب الذي أتعلل به دائمًا هو أنني لا أقوى على رؤية شجاعة ما يكتبه هذا الإنسان عن بشاعة ما يحصل في الأرض التي لا يعيشُ فيها قسرًا.

تتمحور فكرة الكتاب في جعل مجموعة من الكُتّاب يختارونَ طفلًا ويكتبون لَهُ رسالةً عن الكتابة. لا يبدو الأمر سهلًا للكثيرين إذ أنه لا علاقة واضحة بينهم وعالم أدب الطفل. لذا، فقد كان نجاح معظمهم باهرًا. إِلَّا أنّه من الطبيعي والمؤسف في آن، أن فيهم من فشل -تمامًا- في الكتابة. وقد اكتست رسائل محددة طابع المقال عوضًا عن كونهَا رسالة إلى طفل.

تأثّرت معظم الرسائل بالأوضاع السياسية المتوالية في العالم العربي، يظهر من ذلك أن الكُتّاب لجأوا إلى نقل صورة العصر الحالي إلى أعين الأطفال الذين سيصل الكتاب هذا إلى أيدي آباءهم، إن كان آباؤهم نجباء بما فيه الكفاية ليقرأوه على أطفالهم أو يعلموهم شيئًا مما فيه. وإلى الأطفال الذين سيقرأونه عندما يكبرُ فيهم شغفُ القراءة بعد أعوام وهم يتجوّلون في المكتبات ومعارض الكتاب بحثًا عن هذا الكتاب الذي سيبصّرهم بالعالم يوم كانوا لا يفقهونَ فِيهِ أمرًا.

الرسائل صادقة أكثر من المتوقع من كتّاب يجيدونَ نسج الحكايا، وصادمة في آن من الكُتّاب الذين أراهم سيئين أدبًا. لعلّ فكرة الكتابة إلى طفل جعلتهم يعودون إلى الفطرةِ السليمة التي كان من المفترض أن يسيروا بها في حياتهم الأدبية منذ البداية بلا مبالغة ولا تكلف في التناقض الذي لا يخالف فطرتنا كبشر أساسًا. إذ من منا لا يتناقض مع نفسه القديمة؟

حاولت ذكر بعض ما استوقفني حقًّا في الكتاب لكنني لم أستطع اختيار عدد معيّن مما فيه، إذ كلّهُ يكمل بعضه كنسيج لكن الرسالة التي راودتني فكرة بعث رسالة إلى بريد كاتبهَا كانت لمحمد ديريه وعنوانُها الكتابة في انتظار الموت، أردتُ حقًّا أن أخبره بأن رسالته كانت الأكثر عُمقًا، ولعلّ صديقه العربي الصغير سعيدٌ أكثر من أي وقت مضى لأنه رأى العالم في رسالة بُعثت له خاصّةَ. ورسالة يوسف المحيميد الموّجهة إلى زهرتي عباد الشمس/ هتون وهيام. كنت أود تأنيبهُ على رسالة ستكون سببًا لبكاء ابنتيه كلما قرأتاها مستقبلًا، بدت معتّقة برائحة ذكريات ووداع أكثر من كونها رسالة قد تحيي طفلًا بعد أن تنقذه بالكتابة، إذ ما الجدوى من إنقاذ طفل بالكتابة إن لم يكن ذلك الإنقاذ سببًا في جعله فاعلًا لا مجرد شخص مَنَّ عليه كتابٌ بالحياة؟ من الجيد حقًا أن اسم الكاتب يبدأ بحرف الياء، إذ كانت رسالته الأخيرة في ترتيب الكتاب وقد صنعت مسك ختامٍ مُذهل.

روح الطفولة التي ظهرت جليًا في رسالة بثينة العيسى، أمير تاج السر في رسالته إلى خالد، البكاء الذي استجلب دموعًا مع كل كلمة في رسالة إبراهيم نصر الله. رسالة كلمات  ملوّنة كأ جنحة الفراشات والصدمة اللحظية التي أصابتني عندما عدت أدراجي لأرى اسم كاتبها. الكلمات الأخيرة في رسالة إبراهيم عبدالمجيد ورسالة إبراهيم الوافي. الشفافية في رسالة علية عبد السلام، النار المشتعلة في روح غسان شبارو، الدّعاء الذي يرددهُ نورس مع أمّه قبل نومه. كلّها رسائل صنعت كتابًا سينقذ طفلًا مادةً ومعنًى. 


كتاب يجعلك تتساءل كثيرًا. وتدرك أكثر أن لكل بشري على هذا الكوكب خاصيّة لا يحركها شيء كالكلمات التي ستكون متفردة سلفًا إن وافق فطرته ولم يحاول أن يكون نسخةً منكاتب آخر. كونوا لإخوانكم وأطفالكم معولَ بناء، بجعلهم قراءً نهمين يبحثون عن المعرفة بين أرفف الكتب لا المواقع العنكبوتيّة فقط.
أروى بنتُ عبدالله
١٥ رجب ١٤٣٧ هـ
٢٢ ابريل ٢٠١٦ م
٢:٠١ ص الجمعة.

الأحد، 10 أبريل 2016

مغناطيس طويل ..




إلى القارئ الذي رأت عيناهُ هذا السطر: إذا لم تكُن واثقًا ما إذا كان هذا النص يستحق القراءة أم لا، توجّه نحو الفقرة قبل الأخيرة منه، اختصارًا للطريق وحفاظًا على وقتك. شكرًا لأنك هُنا، اليوم بالذات.


وصل اليوم الموعود، لم أكتب تدوينة متكاملة مُذ دخل هذا الشهر. لا أعرف حقًّا ماذا يَجِبُ أن أفعل بمَلَكةِ الكتابة. فكري مشغول بقضايا الوطنِ العربي، يتجول بين بغداد ودمشق، أجدهُ تارةً في ريف حلب وتارةً في درعا. كما رأيتهُ مرّةً واقفًا على شاطئ طرطوس يتأمل شيئًا ما، ويُفكّر بغابات الفرلق.

أفكر كثيرًا بالأدب العربي في أعين الأطفال، ولا يخفى عليَّ السببُ طبعًا، إذ للكتاب الذي أتجول في بساتينهِ دورٌ في صرفِ النظر إلى ماهية المادة المطروحة للطفل العربي. إنّ إنكاري للقب كاتب في حقّ بعض الكُتّاب لا يجعلني مخوّلة لاستنقاص المقال الذي شاركوا بهِ لإخراج هذا الكتاب، إذ أخرج قالب الطفولة المطلوب منهم طرحه، فطرتهم السليمة التي كان يجب أن لا ينحرفوا عنها ليصبحوا عظماء دائمًا، وليكونوا صادقين مع الكبار كما حاولوا أن يكونوا في خطابهم مع الطفل الذي اختاروا أن يكتبوا رسالةً له. 10 ابريل


 أتساءل كثيرًا: هل أقوى على خوض غمار القضية التي أفكر بجعلها حرب العالم التي أعيشها مع نفسي؟ هل سأستطيع الكفاح لتحقيق ما أريدهُ فيما يتعلق بحقوق الطفل في هذا العالم، بالكتابة؟ لن أعرف ذلك حقًّا إلا إن جرّبت السير في طريق ما من أجل قضية، قضيّة أراهَا تستحق من يحيا ليفُكّ عُقدتها المستميتة على هذا الكوكب. 9 ابريل


---------------------

سريعةٌ الأيام. قاربَ الفصل الدراسي على الانتهاء. لقد قابلت معلّمين جيّدين جدًا هذه المرّة، أرجو أن أقابل الثلّة المخلصةَ في عملها دائمًا. لأن المُعلم المتميزَ يَخْلُق جوًّا متميزًا لطلابهِ أيضًا. من المؤسف حقًّا، توديعُ الأرواح التي تأخذ بأيدينا إلى الأمام دائمًا. مهلًا، عليَّ أن أبقى في الزاويةِ الصحيحة من هذه الورقة، أنا لا أُودع البشر عادةً، فلمَ أتحدث عن الوداع؟

في خضمِ كلّ الأحداث التي تدورُ عليَّ بشكلِ متواصل كما تدورُ الأرض في محورهَا بلا توقف، أترقبُ يَوْمَ ميلاد مدونتي الصغيرة هذه. لستُ أُمًا جيدة ولا أظنني سأكون كذلك يومًا. لم أُجد الاعتناء بها ... 7 ابريل
لم أُدرك وقتها أن هذه الطفلةَ المُختالة تتطلب عناية خاصّة جدًا. كنت أهذي فيها بمصطلحات فيزيائية وأخرى كيميائية، أتذكر المتعة التي كنت أحصل عليها وأنا أكتب قصّة الهيموفيليا بمعلومات من الكتاب وأربطها بعُقدة تدعى نزف الأصدقاء. يبدو هربًا ذكيًا من واقع الحياة الذي حتّم علي الغوص في تفاصيله مع مقرر مادة الأحياء ذلك العام. 10 ابريل

---------------



التدوين، كلمةٌ كنتُ أعرفها فعلًا أجهلها اسمًا، عرفتُها فلازمتني حتّى اللحظة. لا أريد الكتابة عن الكتابة، الآن على الأقل. المشروع الذي عزمت على إنهاءه خلال الثلاث الأشهر الماضية، لم يتم. بل وانقسم إلى مشروعين منفصلين عن بعضهما تمامًا، على الرغم من أنني وضعت خطة مبسطة له، لعلّ بساطتها ألغته، من يدري؟ لا بأس لا أحب الخطط الدقيقة جدًا فيما يتعلق بالكتابة، من الأفضل أن أكتب مسودة أولى عوضًا عن طرح خطط ستُركن إلى أوراق أخرى وتدخل في سبات آخر. 2 ابريل

-------------

الشتات الذي حاولت تفادي ظهوره في هذه التدوينة بالذات، بانَ كثيرًا. كان يجبً ألا أفكر بالأمر، لكنني فعلت. كان يجبُ أن أكتب شيئًا يستحق أن يُقرأ على الأقل، أو شيئًا يطبطبُ على كتفِ المدونة التي أخرجها طيشي وعبثت بها أطرافُ أصابعي. من الخطأ أن أستصغر ما كتبتُ هُنا، من الخطأ أن أقول ذلك حتّى، لكنني أفعل الآن. كنتُ أقول لنفسي قبل قليل: سأُسجّل هذه الملاحظة في مكانٍ لا أنساهُ أبدً، حتّى أتمكن من قولها يومَ أُصبح كاتبةً حقًا: أنا كاتبة لكنني أؤمن بالأفعال أكثر من الكلمات.

أحتاجُ وسيلةً كرتونيّة سوداء، وأربع مساطر مغناطيسيّة طويلة. أحتاج مقالًا لا يقل عن صفحتين ولا يتجاوزهما، باللغةِ الإنجليزية. لا أعرفُ عم أريده، القراءة؟ حقوق الأطفال؟ تاريخ العراق؟ الجزائر؟ الاقتصاد العُماني؟ ماذا؟ ما المشروع الذي سأقدمه للأستاذ التونسي بعد غد؟ وما الذي سأقوله في عرضه؟ 
هذا ما يجبُ أن أفكر بهِ الآن لا المدونة. لكنني قطعًا لن أفصل عالم الكتابة الذي أعيشهُ مع نفسي فقط عن العالم الحقيقي الذي يشاركُنيهِ كُثُر. بالمناسبة، إنّهُ تمام عامها الثاني. وداعًا. 

أ ر و ى بنت عبدُالله.
3 رجب 1437 هـ.
10 ابريل 2016 م.
الأحد.

تبدو لي تدوينةً سيئة، يجبُ أن أكتب أخرى. صحيح؟ 

الثلاثاء، 22 مارس 2016

لا استراحة للمُحارب ..




قلتُ في تويتر: وقت الفراغ قاتل بعد ضغط عمل. رغم تحفظي فيما يتعلق بلفظ "الفراغ" والذي دائمًا ما أتحاشى استخدامه بسبب كتابٍ اقتنيتهُ من خيمةٍ للكتبِ المستعملةِ وسط سوقِ إربد على زاوية ساحةِ الخيولِ هناك منذ ثمانِ سنوات، عنوانه "لا وقت فراغ في حياة المسلم". أشعرني بأن الفراغ الذي يتسلل فجأة قد يتسبب بموتي، أو تدمير بنيان علمي كنت أعمل عليه. أقلق كثيرًا من كل وقت فراغ يمر علي وأهرب منه بالقراءة، أو مجالسة الجمادت في حال لم أكن في المنزل. لعلّ أجدى ما فعلتهُ في هذه الحياة لنفسي أو لحياتي: التخطيط. أعترفُ بأني لا ألتزم بالخطط التي أكتبها وأرسمها وأعكف على غربلتها. لكنني منذ أمدٍ بعيد جدًا أحاول جاهدة الالتزام بها. 

أستطيع أن أقول الآن بأنني وجدت الطريق الذي كان يفترض بي السير فيه منذ ذلك الزمن، قبل عام من الآن، حين كنتُ طالبة في جامعة نزوى. أدركت أهمية أن يكون للحياة التي أعيشها معنًى. كُنت أستشعر كلّ يوم المسؤولية الملقاة على عاتقي للاعتناء بنفسي، يجبُ أن أستيقظ بمفردي كل صباح حتى لا تفوتني حافلة الجامعة. الآن، أنا فخورة بنفسي لأنني استطعت فعل ذلك على مدار فصلين دراسيين كاملين. كان يجب علي أيضًا أن أُطعِمني، كانت هذه أصعب مهمةٍ وقتها، أعترف بأنني أكره أن آكل بمفردي، أفقد شهيتي تمامًا. لم يكُن من الصعب على فتاة مثلي الطبخ، أحسبني جيدة بما فيه الكفاية لفعل ذلك، لكنني كنتُ أكره أن يُعتمد علي في الطبخ لشقة تعيش فيها سبعُ فتيات غيري.
كان يجب علي أيضًا ملءُ كل الثواني التي كنت أقضيها مع والدي في الطريق إلى المدرسة بشيء مفيد وأنا في الحافلة بمعدل لا يقل عن نصف ساعة صباحيّة يوميًا، حتّى أنني أحصيت عمري الذي سيمضي في الحافلة ذهابًا وإيابًا إلى يوم تخرجي، كان الناتج شهرين أو ثلاثة تقريبًا. لا يمكن أن أحتمل المكوث كل ذلك الوقت لو لم يكن مقتطعًا. ارتعشت حينها وبدأت أبحث عن شيء يقرّبني من الجنّة أكثر، حتّى لا يضيع عمري في الحافلة. كنتُ أُراجع حفظي صباحًا، وأقرأ كتابًا الكترونيًا مساءً أو أنام، طوال الفصل الأول. وفي الفصل الذي تلاه، اخترعتُ لنفسي منافذَ كثيرة، كنت أتخذ بعض الأيام للدعاء فقط، أدعو كثيرًا لوالدي، اخوتي، أصحابي وكل من أعرف، حتّى أنني في أحيان كثيرة أمرُّ على قائمة الأسماء في هاتفي. كان الأمر ممتعًا، أشبه بسعادة مُرسلة لا يعلم عن زمانها ومكانها ومضمونها غير الله. كان هذا أكثر فعل يدعوني لأبتسم طويلًا كلّ صباح، أبدأ يومي بصدر منفتحٍ منشرح.
ولأنني أقضي جُلّ وقتي مع صديقتي الحبيبة في المنزل، كان يجبُ علي إيجاد سدادة أخرى للعُمرِ الذي كنتُ أقضيهِ مع أُمي، بشيءٍ آخر. لم يكُن لي ملجأ غير الكتب. لكنني في أيام الضغط والتعب، كرهت القراءة وكرهت وجودَ الكتب في كل مكان في غرفتي في السكن، في خزانة ملابسي، على طاولتي وداخل حقيبتي. أتذكر أنني كنتُ أستمع للكثير من الترهات وقتها، كان في هاتفي أكثر من خمس مائة مقطع صوتي، أسمعها بلا وعي والسماعات بأعلى مستوى للصوت تصرخُ في أذني. كنتُ مهوسةً بهاتفي، كان جزءًا مني، جزءًا يكرهه الجميع لأنّه لا ينفك عني أبدًا. كان ملاذي الآمن من كل شيء حولي، من الخوف الذي يعتريني مساءً بسبب نافذة غرفتنا التي تطل على مقبرة. لم يكن خوفي من المقبرةِ ذاتها، بل من التهاون في كل شيء عند الفتيات حولي، اللاتي يقطُنَّ في سكن الطالبات هذا، مقابل الأراضي الممتدة أمام أعينهن بأحجارها المقامة على رؤوس وأقدام الموتى. 


في خضم تلك الحياة التي كنت أعيشها، لم أشأ أن أكتب الحُزن وأسطر الدموع، لم أكن من المتذمرين أبدًا. حتّى أن بعض الزميلات كُنَّ يسخرن من اجتهادي في المرحلة التأسيسية في الجامعة، كنتُ أستمتع بالتحديات التي أضعها لنفسي، وأعيشها كلّ يوم وأنا سائرةٌ في درب لا أعرف إلى أين سيأخذني. كانت الإيجابية التي تضع غشاءها الشفاف بيني وبين مساوئ العيش بعيدًا عن العائلة التي لم أغادرها قط، والتي أرفض أن أبتعد عنها ساعةً بمفردي أو ليلة عند أي أحد من أقاربنا مُذ كنت طفلة، ثقيلةً على صدري كثيرًا، كنتُ أتنهد كثيرًا جدًا كما أفعل الآن وأنا أكتبُ هذا النص الذي كان من المفترض أن يكون عن التخطيط، لكنهُ انحرفَ نحو سرد عقربٍ صغير في ساعة زمنية أجبرتني أن ألتزم بالخطط التي أضعها حتى لا أضيع في الحياة ويضيع عمري فيصبح هباءً منثورًا.

إنَّ الحقيقةَ التي يهربُ منها البشر، هي أن الوقت لا يمكن أن يتوقف لحظة أو يعود. إما أن تتدارك نفسك وتقتسم من عمرك وقتًا لتعيد ترتيب نفسك وحياتك بكل ما فيها من جوانب. وإما أن تبقى بكاءً شكاءً وتُضيع من عمرك المزيد. تأمل اللحظة التي تقرأ فيها هذه التدوينة التي اقتسمتُ لها من عمري وقتًا لتُكتب، واقتسمت أنت لها من عمرك وقتًا لتُقرأ. جرّب تقسيم يومك بكل ثوانيه، وانظر أين أنت وكيف يمضي عمرك. قف قليلًا وتأمل عقارب ساعتك، أو افتح مؤقت هاتفك وانظر إلى الثواني التي تمضي أمامك، استشعر أنك تفقدُ شيئًا ثمينًا لا عودة له، تحسس نبض قلبك مع مرور تلك الثواني، فكّر بالشيء الذي سيفقده العالم إن فقد شخصًا مثلك. وأخيرًا اسأل نفسك: ما الذي سيموت معك من الأحلام؟ ما الذي سيموت معي من الأحلام؟ 


أروى بنت عبدُالله.
13 جمادى الآخرة 1437 هـ.
22 مارس 2016 م.
الثلاثاء 11:30 م.



الأربعاء، 9 مارس 2016

لماذا شبَّه السيّابُ المطرَ بالأطفال؟


"أتعلمينَ أي حُزن يبعث المطر
وكيفَ تنشج المزاريبُ إذا انهمر
وكيفَ يشعرُ الوحيد فيه بالضّياع؟
بلا انتهاء _ كالدَّم المراق، كالجياع،
كالحُبّ ، كالأطفالُ، كالموتى _ هو المطر ! "

ارتباطُ اسمِ السيّاب بالمطر أمرٌ مفروغٌ منهِ في ذاكرةِ كُلِّ طالب مدرسي مرَّ على أنشودةِ المطر، في كتابِ المؤنس في عُمانَ على وجهِ التحديد. رغم أنّي لا أوافق كُلَّ الحزنِ البادي في الاقتباس، إلّا أنّه من أعذب مقاطع القصيدة. 

قبلَ أن تصلِ السحابةُ الركاميّةُ بعاصفتها الرعديةِ عندَ منزلنا، كُنت في الأعلى أرسمُ لوحةً فنيّة في الغرفةِ المُخصصةِ للألعاب. سمعتُ نداءَ أُمي، كانت تنادي باسمي بنبرةِ ال_تعالي بسرعة_ ركضتُ إلى الأسفل، كانت تقف عند مدخل المنزل، حسبتها تقرأ ككلِّ يوم، إلى أن وقفتُ على يسارها فقالت: انظري. السّماء. السّحاب يتحركُ بسرعة. هُنا هُنا يمينًا. تأملي ذلك الجانب، غيمةٌ سوداء كبيرة.| كنتُ أقفُ على حافةِ الدرج، بدأت رياح خفيفة، كلما تقدّمتِ الغيمة، زادت شدّتهَا. بدأت تسكُبُ المُزن خيرها قطرة فقطرة، وكلما تقدمتِ الغيمةُ، تزايدتِ القطرات.

في تلك اللحظات، طارت سجادةُ المجلس الكبيرة، التي كانت مفروشةً في ساحةِ المنزل لتعقمها أشعة الشمس، ولحقتها السجادةُ الأخرى. طارت نحو خط الريحانِ المزروعِ على يمينِ بوابةِ المنزل من الداخل. التفتُ وأمي يمينًا بعدَ سماعِ صوتِ ارتطام، سقط خزانُ ماء بيت الجيران من سطحهم العلوي. في لحظة، أظلم الحيُّ وما حوله، حلّ الظلام قبل عادتهِ بساعتين، قبلَ أن يبدأ ضوء أعمدة الشوارع البرتقالي بالسطوع. تكّسرت ريحايننا، وانفصلت سيقانها عن بعضها. في حينِ ارتوتِ النخلاتُ وأشجارُ الليمون، ونباتاتنا الأخرى. وبدأت روائح السّماد بالانتشار في الأجواء، لكنها لم تكن بالقوة التي اعتادت بها اغاضتنا، إذ أن ريحَ المطر بعطرِ السّماء المخلوط بأتربةِ الأرض كان نفاثًا بعذوبة.

ـــــــــــــــــــــــ
  
كلُّ ما حاولتُ فعلها حينها، الثبّات. زاد اصراري بعد رؤية تدحرج خزان المياه، وطيران السجادات الكبيرة. سرعة الرياح زادت أكثر ككلّ الأنواء التي تشتدُّ. بدأت صفعاتُ المطر تتقاوى على وجهيَ المرفوع إلى الأعلى. حاولت حمايةَ عيناي بأطراف أصابعي، خبطت قطرات أقوى خدي حتّى ظننتها ثقبَته. ما إن أصبحتِ السّماء تسكبُ المطر ويكأنها بئرٌ يحاول أصحابهُ ملأ بركَتِهم بأسرعَ وقت ممكن؛ في حينِ أنها تسكبُ ذلك الكمّ الهائل على صفحة الأرض، كاد حلمي بالطيران يتحقق ولكن بصورة عكسيّة، إذ أنني إن لم أتحرك وقتها، لأصبحتُ مع العصافير التي تتخبطُ في جدران المباني، وأسطحِ السيّارات. ربما.

هرولتُ نحو أمي خلف الباب، لفحني بردٌ قارص، بعد أن تبللتُ بالكامل، وضُربتُ بخيوطِ فستانِ طفلةٍ صغيرة كانت تدور بلا توّقُف صافعةً كلَّ ما يعترضُ طريقَ انحناءتِ فستانها الجميل. تدورُ يمينًا ثم تتوقفُ لتدورَ شمالًا. كانت تلك الغيماتُ الركاميّة كطفلةٍ منتشيّة بالطمأنينة. ترتدي فستانًا مُدرج الألوان بين بياضٍ وسواد. خيوطُ الدانتيل الخفيفة أصبحت معًا قطعةً فاتنة تُغطي كلَّ منطقةٍ مرّت بجمالها فوقها. تتقدَّمُ بسرعةٍ ويكأنها تهربُ من أُمها التي تلحق بها، بينهما مسافةُ ثمانِ ساعاتٍ كما جاء في أخبار الشبكات اليوم. 8 مارس

 ــــــــــــــــــــــــــــ


الساعةُ الآن، الثالثة وأربعونَ دقيقة. بقيت ساعةٌ على مرور يومٍ كامل على تلك الحالة الجويّة يوم أمس.
      بدأت الآن بالفعل، لابدّ من أنها الأُم التي كانت تلحق أطفالها يوم أمس. تبدوا لطيفةً وسعيدة. وصل طرف عباءةِ الأُم الحنون، قطيراتُ المطرِ تتابعَ، حتّى غطَّت المكان بلونٍ أبيضَ فتّان. لمَ قد يجازف بعضهُم ويخرج في أنواء كهذه عوضًا عن الاسترخاء ومشاهدتها بلا حاجز يتمثل في نوافذ السيارة التي لا نرى من خلالها ما نراه بلا حواجز أو خوفٍ في المنزل؟ 
    وفي الجانب الآخر، لم يولولُ البعض خوفًا وجزعًا من الظلام أو شدّةِ الهطول؟ لمَ قد لا يلحظون وجودهم في منطقةِ أمان؟ وأن السقوط والانفجارات وحالات الوفاة بسبب الالتماس الكهربائي التي تحصل في أماكن أخرى مقدّرة في كتاب قبل أن نعلم بكل هذا؟ وأن كلّ ما عليهم فعله المكوث في المنزل أو أي بقعة آمنة، وعدم المخاطرة بأنفسم عن طريق اتباع إرشادات الأمن والسلامة الموَّضحة لكل الحالات؟
    لعلّ أبلغ ما مرَّ علي خلال هذه الأيام من كلمات: حذر بلا ذعر.
ــــــــــــــــــــــــ

    إن الطفلة التي كانت تركضُ بفستانها عصرَ يوم أمس، كانت سعيدة. في حين أن الكثير من المقاطع التي رأيتها يومها مكسوّةٌ بلباسِ الخوف، يبكونَ ويسألونَ الله حُسنَ الختام. كُنت من البعض الذي شقّ طوق ابتسامةٍ على وجههِ. كما أُردد في داخلي: "سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكةُ من خيفته". 
    بعدَ أن هدأت الطفلة، وهدأت خيوطُ فستانها معها. بعدَ هدوء المطر/ذلك الطفل الذي سمعناهُ رعدًا ورأيناهُ برقًا ومطرا. هدأنا. وعُدنا إلى حيواتنا حيث لم يعد أي شيء بحاجةٍ إلى مراقبةِ أحدٍ عن قرب. 
ـــــ
    لماذا؟ لأنه الصخب والهدوءُ معًا، لأنهم المتعةُ والتعبُ معًا. لحظةَ لعبهم الجنوني، نراقبهم بحذرٍ وابتسامة ودعوات. وبحُبٍّ وقتَ هدوءهم ونومهم. لأن المتعةَ تتجلى وقت الركضِ تحتِ سقفِ السّماء التي خلقها البارئ معطاءة، ولأن مقابل كل خطوةٍ أنفاسٌ ونبضاتُ تتسارع، فإننا متعبونَ جسدًا أقوياءُ رَوحًا ورُوحًا. 

ـــــــــــــــــ
   
    عُدت إلى عملي في الأعلى أنهيتهُ سريعًا قبيل المغرب وعاودت ترتيب مكتبِ غرفتي الذي لا أنفك عنه طوال الليل. كُنت قد كتبتُ جزءًا من هذا النصِ في مخيخي وأنا أتأمل تدفُقّ المياه بغزارةٍ من منابعها السماويّة. جلست إلى حاسوبي كما أفعل الآن. فرّغت ما عندي وأكملتهُ، حتّى آثرتُ العَشاءَ والعِشاء عليه ثمَّ النوم. 
    وها أنا ذي أُعاودُ سكبَ الحروف مجددًا، على أمل أن ترى هذه التدوينةُ عيونًا غير التي تراها وهي في أوج تكوّنها. ختامًا، أعيدوا بلورةَ مشاعركم لحظةَ هطولِ المطر. كونوا سعداء ولو للحظةٍ وقتها. من الظلم بمكان، رؤيةُ كمِّ الأحزانِ هذا في ما تكتبونهُ يا نُثّار الحروفِ وشعراءهَا، وقتَ دوران عددٍ من الأطفال على أنفسهم مسعدينَ الأرضِ بغيثٍ وخيرٍ كثير. اخضّروا كما تفعل الأرض واستبشروا خيرًا. 9 مارس

    أروى بنت عبدُالله.
    06:38 م. 
    29 جمادى الأولى 1437هـ.



السبت، 20 فبراير 2016

هل تحاولون الكتابة كلما أمطرتِ السّماء؟





هل من العدل ترك طفل بلا أخ؟ أوه لا، بطريقة أُخرى، هل سُنبقي الطفل وحيدًا بينما نستطيع إسعاده بآخر؟ لا. تبًا، ليس هكذا. السؤال هو: هل وجود طفلين في بيت واحد يجعل الأكبر مظلومًا لأنّ طفلًا آخر جاء معه؟ نعم، صحيح، هذا سؤالي. ومناسبتُه: مرَّ شهر، سحابة قالت لي لم أقرأ ما تكتبينهُ خارجَ مدونةِ بلوجر بعد. وتقول: "ما زين هجر البيوت". وجودُ مدونة جديدة لا يعني هجر هذهِ، ولا إهمالها. حسنًا، لا تفعلوا مثلها رجاءً. 

أردتُ التحدّث بأريحية دون الحاجة لمراجعة خُطة كتابة وضعتها لنفسي، لذا أنا هُنا. بلا خطة، كدتُ أكتب: وبلا حكاية جديدة عن عزّام. مجرد ذكري له يجعله هُنا. أيًا كان، هذا ليسَ موضع حديثي. أتيتُ هُنا لأُخبركم عن موقفي تجاه الكتابة وقت هطول المطر.
عادةً لا أكتب في طقوس كهذه لأنّ الجميع يكتب فيها. ولا أتحدث عنها في مواقع التواصل. حتّى أنني أتحاشى رغبتي في التقاط الصور أحيانًا كثيرة. كُل ذلك حتّى لا أكون نسخةً مكررة، مع مجموعة نُسخ أخرى من البشر. وليسَ ذلك في الكتابة فقط، بل وفي القراءة أيضًا. لا أقتني الكُتب الأكثر انتشارًا لأنّها الأكثر انتشارًا، أختار منها ما يناسبني وعادةً أخرج بمجموعة بسيطة جدًا سنويًا. حتّى الكُتب التي قرأتها الفتيات اللاتي أثق بتقييمهن للكُتب، أبتعدُ عن قراءتها حتّى لا نتشابه في نقطةٍ ما. أبحثُ عمّا يمثلني ويمنحني تفرّدي، التفرد الذي لا يعلم عنه سواي ربما. حسنًا، لا تفعلوا مثلي رجاءً. قد أكُون مخطئة في ذلك. 

الفكرة ربما أعمق، إذ أنّها ليست متعلقةً بالقراءة نفسها أو الكتابة. عندما أتأملني من بعيد، في وضعِ غيث الكلمات وتجاهلها، وأمام مرآة الكتب التي أستسخفها، وتضييع لحظات اندفاق الكَلِم في الركض حول رياحين المنزل ومداعبة أوراقها. تشغيل مقطع صوتي والصراخ بدروسي عليه، وكأنني أتحدى علو صوت الهاتف أو الحاسوب وصوتي على بعضيهما. مدُّ يدي نحو السّماء عندما أكون في المقعد الأمامي في السيارة مُحاوِلةً الطيران أو معانقة سحابة، أو محاوَلة الوقوف في وجهِ قطرات المطر لأصعد مكانها في السّماء بينما تنزل هي إلى الأرض. بعد كل المواقف التي يراها الآخرون عابثة، أظن أنني ألعب حقًا، ورغم ذلك لم أقم بكل ما أريد بعد لكنني سأفعل لأصنعَ لنفسي روحًا. حسنًا، لا تكترثوا بما يظنّهُ الناس واصنعوا أنفسكُم كما تحبونَ. 

بالمناسبةِ، وبما أنني ذكرتُ عزّام في الأعلى، لن أستطيع تجاهل رياحين، مدونتي الأخرى. لذا سأخبركم أن عزّام هو خطة تلك المدونة لكنني بالطبع سأُقحم أمور أخرى فيها. ورياحين من الجنة لأحايثي هذه ورسائلي المُعتادة وأحاديث أخرى.
إلى كل من وصل إلى الكلمة الأخيرة هذه: شكرًا لأنك تقرأ. حسنًا، لا تضيّعوا أوقاتكم، ولا تنسوا صناعة أنفسكم. كونوا مختلفين، لنصنعَ حياةً مختلفة. مدّوا أيديكم عاليًا، ارفعوا أنظاركم نحو السًماء، تخيّلوا عناقًا مع السَّماء طويلًا، اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، ثمّ عودوا وارقدوا بسلام، على أرواحِكم السلام. 

أروى بنت عبدُالله
11 جمادى الأولى 1437 هـ
20 فبراير 2016 م
2:05 ص السبت.

الأربعاء، 20 يناير 2016

مرحبًا ..




إنّها الثانية صباحًا، بطاريةُ هاتفي حمراء بنسبة سبعةَ عشر من مائة. يبدو أن عزَّام ينامُ ليستيقظَ الآن. ويكأنّهُ يتعمد جعلي أكتب قصتهُ بعجالةٍ ملحوظة. على الرغم من أنني أردّهُ خمسَ ليالي كُلِّ مرَّة، إلّا أنّهُ يبقى واقفًا عند الباب. يراقبني دون أن يشعر، يقفُ كصنم. حتّى تحرّكهُ الكلمات التي أكتبهَا كُلّ مرَّة. ومع كُلِّ حذفٍ وإضافةٍ، ينتفض، يشعرني أنّه على وشك الاحتضار. أقومُ سريعًا وأهزهُ حتّى يستعيد توازنه. أعود إلى الحياةِ، وأحسب كُلِّ مرَّة أنّه يلاحقني كظل، لكنهُ لا يفعل. وقت كُلِّ زيارة، أجدهُ نائمًا. أكتبهُ وأرحل، يلحق بي حتّى في مناماتهِ. 

يجدرُ بي القول: مرحبًا، اسمي أروى .. 
حتّى أستعيد كينونتي وحياتي، أقول ذلك كُلِّ مرَّة لأعرفني. لأتذكر أنني وأينما ذهبت أبقى أروى، يجبُ أن أذكر اسمي كُلّ مرَّة حتّى لا أنسى من أكون في خضم المغامرة، ولا أغوص فأغرق دون وعي. سأُقابل عزَّام الآن .. وسأسمح لنفسي ولكم بفتح رسالتهِ المخبوءة. فليقرأ من فاتته البداية، وليترقب من قرأ. 

- القصة في حسابي في تويتر 
arwalabri 

أروَى بنت عبدُالله
١٠ ربيع الآخر ١٤٣٧ هـ
٢٠ يناير ٢٠١٦ م
٢:١٨ ص الأربعاء. 

السبت، 9 يناير 2016

رسالة سريّة | عن الأصدقاء ..




الصديقة رقم واحد. 
أوه ! مهلًا ..
أتعرفون ماذا يعني الرقم واحد؟ 
يعني أنّها لم تعد الصديقة الصدوقة. 
لأن بعد الرقم الأول، رقمٌ ثانٍ .. وهكذا. 
الصديقة رقم اثنين. 
مرحبًا .. 
تبدين سيئةً من بعيد هل تعلمين؟ 
سيئة جدًا لأنك لم تغادري بهدوء حين قررتِ فعلَ ذلك، سيئة جدًا لأنّك عزمتِ مع رحيلك على محو كل أثرٍ طيب كنتِ قد تركتهِ مسبقًا. 
الصديقة رقم ثلاثة. 
أظنّكِ نائمةً الآن. أعرفُ أنّكِ تنامين مبكرًا. وتظنينني كذلك أيضًا. تكتفينَ بصبِّ مواجعك كل مرَّة، تتركينها معي وترحلين عنها. لكنّك لا قطعًا لا تعلمين معنى أن أكون ساعي بريد بينك وبين الله، لأنك لم تقفي مرَّة لتستمعي إلي قبل أن تتحدثي. كنت أودّ قولها لكِ بلطفٍ ومحبّة لكنني الآن أقولها بشفقةٍ لا أستطيعُ إخفاءها. : لا تثرثري للبشر كثيرًا. لن يغيّر البشر حياتك. حدّثي الله. 
الصديقة رقم أربعة. 
كنتِ لطيفةً وأنتِ بعيدة. لذلك كنتُ كذلك. لكن، في اللحظةِ التي قررتِ فيها إلقاء نفسك في حياتي لتسيطري علي وعلى علاقاتي مع الآخرين. أوقفتُك. وكنتِ غبيةً لأنك لا تفهمين معنى الحياة الاجتماعية. أنتِ سيئة لأنّك حتّى اللحظة تظنين بأن هناك صديقة خُلقت لكِ وحدكِ. كُلِّ البشر لله، أوقفي أوهامك وعودي لله أنتِ أيضًا. 
الصديقة رقم خمسة. 
بما أنك استسلمتِ للمغادرة وغادرتِ. لمَ تعاودينَ بعثَ رسائلك العقيمة إلي. حسنًا. أنا لن أجيبك لأنني أظنك بلهاء. تعلمين بأن الغياب كان خيارك الصعب لكنك عاندتهِ، ونسيتِ بأن العودة أصعب. سأعاملك كأي شخص عرفته في مرحلة ما من الحياة. في قائمة المعارف العامة. 
الصديقة رقم ستّة. 
تبدينَ قويّةً. جدًا. لكنني أؤمن تمامًا بأن القلب بين جنبيك مُهشّم ومتعب جدًا. رؤيتك تُكسرين بمطرقةِ الأصدقاء التي ضربت رأسك وهي تظن بأنّك مسمار يجب أن يعلق في حياة أحدهم، تجعلني أظن بأن عليَ أن أُصبح أقوى أمامك. القوية التي ستطبطب على كتفك وتغسل وجهك بماءٍ متجمّد مع برد الشتاء. لتستيقظي وتكوني أقوى. 
...
الصديقة رقم ... أنا. 
كلنا نضعف، كلنا نستطيع أن نكون أقوى. 
كلنا نستكين، كلنا نستطيع أن نُحدث فوضى. 
كلنا سعداء، كلنا سعداء جدًا إن ابتسمنا صباح كل يوم. للشمس، للريحانة، للنخلة، للأقلام والدفاتر، للأصدقاء القُدامى والعابرين. 
أرأيتِ؟ نحنُ سعداء جدًا. نحن نعيش بانتشاءٍ قلبي واضح، لأننا بخير، لأننا نعيش، لأننا  نركض نضحك نتحدث. لأننا نمشي نتسابق نأكل. نحن سعداء جدًا. لأننا نقرأ نتعلّم ندرس. نحنُ سعداء جدًا. لأننا نكتب و و و [وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا]. 

يا أصدقاء ..
ابتسموا للسّماء وامضوا لله💙. 

#أروىٰ_بنت_عبدُالله 
١١ ربيع الأول ١٤٣٧ هـ
٢٣ ديسمبر ٢٠١٥ م 
٢:٢٢ ص الأربعاء.