الأربعاء، 13 يوليو 2016

رسالة طويلة | بلا وِجهة ..








أشعرُ بالكآبة. وداعًا. 











كدتُ .. أختمُ الرسالة حقًّا، وأرسلهَا هكذا. 
لولا أصابع البطاطا المقليّة التي أحضرتها أختي التّوة. أصابع؟ ماذا لو كانت أصابعي هي المقليّة وشجيرة البطاطا تلتهمها لتكبرُ وتصبحَ بطاطا تأكلها أنت؟ هل بدأت تتخيل الأصابع تطفو في مقلاة الزيت السَّاخنة؟ هل تحولت إلى *نقانق* بعظام يتطلب نزعها؟ أخرجها من خيالك سريعًا قبل أن تحترق وتُغصَب على أكلها حتّى لا تكون مبذِّرًا برميها :) .. 
دعك من أصابعي الآن. هي تشتعل حقًّا، ستُّ أصابع أربعة منها متقاطعة يتكئ عليها ظهرُ الهاتف وبين سلك السمّاعة وسلك الشحن خنصرُ اليمنى بينما يطير خنصر اليسرى في الهواء، بعيدًا. السبّابتانِ، كعمودي إنارةٍ، تقفانِ باستقامةٍ على جانبي هذه الشّاشةِ الصغيرة بينما تُمارس الإبهام وتوأمها رياضة القفز على الحروف المطلوبة. 
اشتعالها أقوى من عينِ الفرن التي كادت تذهبها طعامًا قبلَ قليل. عين؟ تشتعل؟ كيف؟ هل يمكن للنيران أن تكون في عينك؟ أن تخرج من عينيك؟ هل يبدو خيالك مضحكًا بسبب شكلِ السّاحر الذي قفز إليك فجأة؟ أم لأنّك تذكّرت تنين الطفولةِ ينفثُ نارَهُ؟ ماذا سيحدث لو أنك تنين؟ تطير بجسدٍ ضخم، وكلّ ما يحملك جناحُ بعوضة! ترفرف باحثًا عن شجرةٍ تحرقها أو أرنبٍ تشويهِ لغدائك. توقّف، السّلام كلّه فيهما. 
ملحُ عينيك الذي يتقاطر، كان مالحًا جدًا. أنا لا أُحبّ ال*كاتشب* لذا لا أستطيع تخفيف ملوحةِ هذه البطاطا بشيء، ماذا أفعلُ بها؟ هل أتركها في الطاولة؟ ستكون فكرة وجود طعام للعَابرين في الطاولة جيدة، لولا أن الأصابع ستتحجر. 

تبًا، حتّى عندما تحوّلت أصابعي المكوّنة من ملايين الأجزاء الدقيقة عظيمة الصنع إلى أصابع بطاطا مجمَّدة جاهزة للقلي/ كانت بلا جدوى. مالحة، متحجرة وتشعل خيالاتٍ مأساويّة جدًا. 


يا للسخرية! لعلّ أثر تكدّس المكنوز من الحروف ظهر بشكل واضح هنا، تصويرات وكلام بلا ... آسفة حقًّا لجعلك تقرأ كل هذه الترّهات أيها الزائر الغريب. كنتُ في الحقيقة أحاول التخلص من ثقل الحياة بهلوسةٍ عابرة، أردت الشعور بعدم الجدوى من تعويذةِ الكتابة، لوهلة. لكن تعلم أن ما نتخلص منه تخففًا يثقلنا أكثر. 

هه. بطاطا وأصابع مقلية، *نقانق/ كاتشب/ ملح* عيون تشتعل وتنين طائر. تبًا. كيف تنتقل الحروف بين الأزمنة بحُمقٍ هكذا. 

كنت أفكر بالموت، بِالشِّعْر والشُّعور، بالحياةِ. بعظمةِ الأثر ولطف الإله. بالمُعلمين واللُّغة. 
بـ ...
٢:٠٠ ص. 


سلام .. 
صباح الخير، 
كيفَ يمكن أن ينام من يفكر بتلك الأمور؟ من أنا؟ يبدو أن الهاتف انفلت وسقط علي دون أن أشعر بهِ حتّى، وجدتهُ ملتفًا حولي بأسلاكهِ، السّماعة لم تسقط من أذني. لا يهُم. كان يفترض بي بعث الرسالةِ وقتها لَكِن الآن لا أعرف حقًّا ما إذا كنت سأفعل أم لا، الصباحات يجب ألّا تُحمَّل كل هذه الكلمات. 

صباح يوم أمس، في هذا الوقت وقبله بدقائق. كُنت أبكي. العَجب يكمنُ في أنّ صباح ذات اليوم، من الصيف الفائت تمام الحادية عشرة ظهرًا، كنتُ أبكي أيضًا. ولأن لبكاء الصباح أسبابه، يشيب رأسي وأنا أفكر بالقَدر الذي منحني دموعًا تذرف مرارةَ فقدٍ مبكّر وحبًّا لذاتِ الإنسان! في حفل تخريج طالبات الدورة الصيفية في كلية العلوم الشرعية يوم كانت المربيّةُ العيسريّةُ ترعى الحفل، خرجتُ وهي تسلّم المُشاركاتِ شهاداتهنّ، خرجتُ اضطرارًا مرغمة. بكيت لأبي في السيّارة، ما بكِ؟ أردت أن أبقى حتّى النّهاية لم أصافح معلمتي بعد ولم أسلّم عليها حتّى. قال: من؟ قلتُ له: الأستاذة عزَّة العَيسريّة. قال: بسيطة، جيراننا وسآخذك إليها متى شئتِ. أخبرته مُذكِّرةً أن الأمر مختلف هنا، لا أُحبّ الزياراتِ الخاصّة، أُفضّل لقاء النَّاس حيث وجدوا. في أماكنهم حيثُ أزهروا وجعلونا نُزهر. مرّ عامٌ بالتّمام. على خروجنا من قاعةِ الدرسِ التي جمعتنا، صوتها، دروسها، نصائحها. وابتسامتها. ابتسامتها يا ربّ، و ا ب ت س ا م ت ه ا.  سلامُ الله على روحكِ. سلامُ الله على روحكِ. إنَّا لله وَإنَّا إليهِ راجعون. ... 


الحديث عن العظماء قاصر مهما بلغ، 
    والقصّةُ أكبرُ 
مِن كُلِّ حكايا الـ 
قَوْم، 
فالدَّمعُ يسابقُ،
ويفوزُ الدَّمع
وتفوزُ الدَّاعيَّةُ الفُضْلَى 
بقلوبِ الكلّ. 
بدعاءِ الكلّ. 

----- 

عن الرّسالة:
التي جاءت بلا عنوان واضح، بلا مقدّمات تحمل طعمًا لمستقبِلِيهَا. من يريد أن يقرأ ما أكتبه سيقرأ، حتّى لو كتبتُ حروفًا متلاصقة بلا معنًى. سيمرُّ عليها حرفًا حرفًا محاولًا إيجاد كلمة. 


علي الذّهاب الآن، 
سلام .. 

أروى بنت عبدُالله 
٨ شوال ١٤٣٧ هـ | ٨:٤٩ ص. 
١٣ يوليو ٢٠١٦ م. 
الأربعاء. 

هناك تعليقان (2):

  1. سلام الله عليك يا أروى!
    أنا لم يسعفني القدر لمعرفة العيسرية مسبقًا ولكن هذا الرثاء الذي يصلني من كل جانب جعلني أتأثر كثيرًا بها

    رحمة الله عليها، وسلوانا لأرواحكم الحزينة...
    طوبى لها هذه المحبة!

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكِ سلامُ اللهِ ورحمتهُ وبركاتهُ..
      تعرفين؟ - بعض البشر أكبر قدرًا من كلمات نزعم في أنفسنا الرثاء بها.
      يا ربّ الرَّحمة، آمين.
      ،
      شكرًا لكِ، مَروة ..

      حذف