الجمعة، 27 نوفمبر 2015

ضجيجُ الأرض |



مرحبًا، أنا هنا عنوة ..
كنتُ أفكر، بأشياء كثيرة لا أهميةَ لها. قادتني لتذكّر أشياء أكثر. أظنني أهلوس بشكل أو بآخر. أفعل الأشياء وأتأملّها بحذر. كتبتُ نصوصا كثيرة لكنني لم أنقلها من عقلي إلى ورقةٍ بعد، هذا يشعرني بالسوء كثيرًا. الأجدر بالذكر أنني أختلق السوء في نفسي أكثر. من العجيب أنني أطمئن في أوقات سيئة كثيرًا، والأسوأ أنني أكون سعيدة بهذا الاطمئنان. لعلّ السوء الحقيقي في نظرتي السيئة. مهلًا .. لا أرى سوءًا أبدًا كما أنني لا أنظر للأشياء بسوءٍ أبدًا. نفسي تحاول اختلاق ذلك.

في كُلِّ صباح تصفعني الشمس بأشعتها لكنني لا أضع حاجزًا بيني وبينها على غير العادة. أستشعر صفعاتها وأعيش لحظات جميلة وأنا أفتح عيني بصعوبة لرؤيتها. أتأمل تفاصيل الأشعة في أسطح السيارات حولي. هذه الشمس خُلقت لتصفعني بلطف، لتلسع تفاصيل وجهي، وتُفَتِّح عينيَ الغائرتين صباحًا. الأمرُ أشبهُ بالمعجزة، وأنا كالأسطورة. أتصنعُ الاستياء لأنّهُ يسكن أجزاءَ مني. حجمُ السوء الذي لا يراهُ الناس فينا يجب أن نعالج خلاياه، لا أن نُشعرهم بهِ، أو أن نعذّب أنفسنا بمحاولةِ التعايش معه. الهرب من تطبيبهِ جريمةٌ في حقّ أنفسنا. وكأننا نَكتُب عليها الشقاء. 


كلما تذكرتُ عبارةَ بثينة في كتابها عائشة "اغرسي قدميك في كبد الأرض وأورقي". أُفكر كثيرًا، لم يغرس الكثير من الناس أقدامهم في أماكنَ أُخرى؟ أو .. هل من الصواب أصلا غرسُ أقدامنا في كبدِ الأرض وليس في مكان آخر؟ كثيرا ما نغرسُ أقدامَ أفكارنا في عقولنا وأحلامنا في قلوبنا، لمَ لم نغرسها في أماكن أخرى؟ ماذا لو غرستُ هدفًا ما في كفّ يدي؟
 
            - وجهتُ نظري نحو باطن ساعدي الأيسر. رأيتُ بعوضةً. لم أتحرك، يجب ألّا أزعجها. لكن مهلًا، بعوضة؟ ستأخذ ما تبقى من دمٍ أعيش عليه. حركتُ كفي خاطفةً لكنها لم تتحرك، فصفعتها لتطير. لم أحرك عيني، بقيت أتأمل تفاصيل البقعة التي غرستِ البعوضةُ نفسها فيها، لتعيش. تركتْ نقطةً حمراء ويكأنها لمسةُ قلمِ حبر بعرضِ ثلاثة من عشر درجات. استغرق انتفاخها وقتًا، لم أكن لأصبرَ حتّى أرى حجمَ الدم الذي أخذتهُ مني، هل سأبقى على قيدِ الحياة أم ستقتلني بعوضةٌ تغذّت على سائلِ نقل الأكسجين في. آثرتُ فركها بمعدنِ هاتفي ستكونُ مسحةً مستقيمةَ الأبعاد. انتفختْ قليلًا واحمرّ ساعدي. الأمر طبيعي جدًا. ردّةِ فعل الجسم طبيعية جدًا. كذلك ال... 


التعب الذي ينغزُ أطرافنا طبيعيٌ جدًا. الإجهادٌ الذي يسقطنا في بئر نومٍ، طبيعيٌ جدًا. كُلُّ الأشياء طبيعية جدًا. السماء ذاتها، الأرض كذلك، وكل الأشياء طبيعية جدًا.

     - الغرابةُ تتلبسنَا نحنُ، حتّى يردينَا الحِملُ صرعى في فراش النوم، لا .. الموت الأصغر. الموت؟ هل الكلمةُ مخيفةٌ كثيرًا؟ نحنُ نموت كُلّ يوم وفي موتنا نحيا، نحيا في الرؤى أو الكوابيس. نحيا بعد ذلك أيضًا حياةَ الأحياء الذين أحياهم اللهُ بعدَ موتَتهمُ الصغرى. كلنا أموات بطريقةٍ أو بأخرى، إنّها ذاتُ الحقيقةِ التي نؤمنُ بها، حقيقة أننا أحياء.

 إنّ أنفاسك المتعبة هي الوضع الغير طبيعي. يداك اللتانِ لا تتحملان نفسيهما همّا الوضع الغير طبيعي. الهواء الذي يأبى إلّا والدخول إلى رئتيك لكنّه يعاندهما ويعاند نفسه، هو الوضع الغير طبيعي. الرعشةُ التي تنفضك نفضًا تحتَ أشعةِ الشمسِ الباردة وهواء جهاز التبريد الحار طبيعية إلّا أن مصدرها غير الطبيعي طبيعي. 



مهلًا ! 
أنت على الأرجح تائه، بين العنوان الملقي مع رابط تدوينتي، بين الحديث المتشعب كثيرًا في الأعلى. بين اللطف والقسوة في حروفي وتصرفاتيَ الافتراضية والواقعية لمن يعرفني. الخوف والطمأنينة. الضجيج والسكون. الوصل والقطيعة. الصمت والثرثرة. المتناقضات التي تجتمع فينا مجملًا وتفصيلًا. التي تثور بخمود وتخمد بثوران عظيم. كلنا جيّدون بصورة قد يلحظها البشر، لكننا في المقابل سيئون بشكل لا يتخيلونه. كلنا كومة من التناقضات الداخلية التي إن لم يحكمها أساس صحيح، أردتنى أسفل سافلين. تحطمنا بلا قيود وتحطُم كُلّ بناء نعملُ جاهدينَ لرفعهِ. الغموضُ التّام والوضوحُ المتجلي كشعلةِ شمعةٍ صغيرة في بقعةٍ معتمة. كل التناقضات، كلها كذلك. 


الكلمات تتدفق بلا معنًى، كنهرٍ يجري لأنّه جُبِل على ذلك. لأنّهُ فقط يستَطِيعُ الجريان. قد يكون اختار السكون لكن ضجيج الأرض تحتهُ يحرّكهُ، يستمرُ في تحريكهِ أكثر وأكثر بلا انقطاع يجري، يجري ...

-قُطعَ المشهد- 

أروىٰ بنت عبدُالله 
٨ صفر ١٤٣٧ هـ
٢٠ نوفمبر ٢٠١٥ م
٧:٤٣ م الجمعة. 
قبل أسبوع من تاريخ النشر

هناك تعليقان (2):

  1. يبدو لي وأنا أتربع قِراءة حروفك، أنني أُسافر علي مَتن زورق صغير يضمُّ بضع مُهاجرين آسيويين، لم أدري أنني سأجد نفسِي في باخرِة من نوعٍ فاخر، يحملُ المسافرين فيه على نوعٍ من الكلم والمدودِ والأحرف المحبوكة والحكيمة والمجاز الخصب.
    ظُلم النّثر بخفّة العنوان لرُبما .. أجد هذا نوعًا ما / تحية لهذا القلم

    ردحذف