الأحد، 29 نوفمبر 2015

دعوة: تعالوا لنكره القراءة ..




السَّلامُ .. 
لأولِ خمسة يقرؤون تدوينتي دائمًا .. للاثني عشر الذين يتبعونهُم بعد نصفِ ساعة وساعة للثلاثين والأربعين والسبعين والمائة والمائتين والثلاثة. تبًا، للأعداد الجميلة ولغير القبيحة. عندما تصبحُ الكتابةُ عددًا، أو دار نشر. ومناقصاتٍ ورقيّة بورقية باختلاف نوع الورق المختلف محتواه. عندما يحدد عدد الطبعات قيمة الكتاب الأدبية والفنية، دون الالتفات للأغراض التسويقية أو تجاهلها بمعنًى أصح. عندما تحدد المبيعات قيمة الهِبّةِ التي لا تقدّرُ بثمنٍ. قيمةَ العرقِ المُنصبِّ كنهر من جبينٍ لا يعرق. عندما يُصبحُ فعلُ الكتابةِ هرطقةَ ممثلٍ مفسد ومغنٍ متمايل وراقصٍ مائع وحتّى مشهورٍ في وسيلةِ تواصل اجتماعي افتراضية. تبًا. للكتابةِ حينَ تقعُ بين يدي هؤلاء وأمثالهم وغيرهم كالمتأدبين، منزاحةً عن دائرةِ الأدباء المنفيّةِ عن عوالمِ الانتشارِ بشكلٍ مقيتٍ جدًا. 

لنُقِم احتفالًا الآن .. لنُفلت زمام الحروف ونطلقهَا بالوناتِ هيليوم في السّماء. لنقطف أسس الأدب ونضعها داخلَ المزهريةٍ وسط طاولةِ الاحتفال. لننزع عباءةَ العفاف الأدبي ونرتدي فساتينَ الماركاتِ العالميّةِ المسيئة. هيّا، لنكسر عجلةَ ما كان ولنُدِر أصابعنَا مع لمسةِ الزرّ التي ستهزّ المكان بخلفيّةٍ موسيقيّةٍ عوضًا عن التركيزِ على مضمونِ بيتِ الشِعرِ ومقدمةِ القصّةِ المكتوبةِ بابتذالٍ تامٍّ وتذللٍ واضحٍ للمفرداتِ التي قُيدتْ قسرًا إلى مشنقةِ الكتابة الأدبية. 


الفكرةُ كرهٌ، الفكرةُ حبّةُ بطاطا. والفكرةُ أن نضعها في كيسٍ ونحملهُ معنا حيثُ نذهب. الفكرةُ استمرارية للفعل هذا. الفكرةُ تظهر، بعدَ أسبوع؟ أسبوعين؟ ثلاثة؟ لا أعلم. الفكرةُ عفنٌ. سيضيّق أنفاسك برائحتهِ النتنةِ. لو لم تكُن كرهتَ أحدًا، هل كنت لتحملَ عبء الشخص ذا حتّى يتعفّن في عقلك؟ حتّى تُصبحَ رائحةُ عقلك نتنةً لا تُطاق! تعرفون لمَ أدعُوكم لكُرهِ القراءة؟ 

         - لأنّكُم سيئونَ في اختيارِ ما يجبُ أن يُقرأ. ولأنّ الكثير من الحروفِ المبهرجةِ في كتاب مطرّز بتوقيعِ أحدهم، مغلفةٌ بالعفنّ الأدبي عوضًا عن العفاف. 


#أروىٰ_بنت_عبدُالله 
١٧ صفر ١٤٣٧ هـ
٢٩ نوفمبر ٢٠١٥ م
١:٠٢ ص ٧:٥٥ م 
الأحد. 

الجمعة، 27 نوفمبر 2015

ضجيجُ الأرض |



مرحبًا، أنا هنا عنوة ..
كنتُ أفكر، بأشياء كثيرة لا أهميةَ لها. قادتني لتذكّر أشياء أكثر. أظنني أهلوس بشكل أو بآخر. أفعل الأشياء وأتأملّها بحذر. كتبتُ نصوصا كثيرة لكنني لم أنقلها من عقلي إلى ورقةٍ بعد، هذا يشعرني بالسوء كثيرًا. الأجدر بالذكر أنني أختلق السوء في نفسي أكثر. من العجيب أنني أطمئن في أوقات سيئة كثيرًا، والأسوأ أنني أكون سعيدة بهذا الاطمئنان. لعلّ السوء الحقيقي في نظرتي السيئة. مهلًا .. لا أرى سوءًا أبدًا كما أنني لا أنظر للأشياء بسوءٍ أبدًا. نفسي تحاول اختلاق ذلك.

في كُلِّ صباح تصفعني الشمس بأشعتها لكنني لا أضع حاجزًا بيني وبينها على غير العادة. أستشعر صفعاتها وأعيش لحظات جميلة وأنا أفتح عيني بصعوبة لرؤيتها. أتأمل تفاصيل الأشعة في أسطح السيارات حولي. هذه الشمس خُلقت لتصفعني بلطف، لتلسع تفاصيل وجهي، وتُفَتِّح عينيَ الغائرتين صباحًا. الأمرُ أشبهُ بالمعجزة، وأنا كالأسطورة. أتصنعُ الاستياء لأنّهُ يسكن أجزاءَ مني. حجمُ السوء الذي لا يراهُ الناس فينا يجب أن نعالج خلاياه، لا أن نُشعرهم بهِ، أو أن نعذّب أنفسنا بمحاولةِ التعايش معه. الهرب من تطبيبهِ جريمةٌ في حقّ أنفسنا. وكأننا نَكتُب عليها الشقاء. 


كلما تذكرتُ عبارةَ بثينة في كتابها عائشة "اغرسي قدميك في كبد الأرض وأورقي". أُفكر كثيرًا، لم يغرس الكثير من الناس أقدامهم في أماكنَ أُخرى؟ أو .. هل من الصواب أصلا غرسُ أقدامنا في كبدِ الأرض وليس في مكان آخر؟ كثيرا ما نغرسُ أقدامَ أفكارنا في عقولنا وأحلامنا في قلوبنا، لمَ لم نغرسها في أماكن أخرى؟ ماذا لو غرستُ هدفًا ما في كفّ يدي؟
 
            - وجهتُ نظري نحو باطن ساعدي الأيسر. رأيتُ بعوضةً. لم أتحرك، يجب ألّا أزعجها. لكن مهلًا، بعوضة؟ ستأخذ ما تبقى من دمٍ أعيش عليه. حركتُ كفي خاطفةً لكنها لم تتحرك، فصفعتها لتطير. لم أحرك عيني، بقيت أتأمل تفاصيل البقعة التي غرستِ البعوضةُ نفسها فيها، لتعيش. تركتْ نقطةً حمراء ويكأنها لمسةُ قلمِ حبر بعرضِ ثلاثة من عشر درجات. استغرق انتفاخها وقتًا، لم أكن لأصبرَ حتّى أرى حجمَ الدم الذي أخذتهُ مني، هل سأبقى على قيدِ الحياة أم ستقتلني بعوضةٌ تغذّت على سائلِ نقل الأكسجين في. آثرتُ فركها بمعدنِ هاتفي ستكونُ مسحةً مستقيمةَ الأبعاد. انتفختْ قليلًا واحمرّ ساعدي. الأمر طبيعي جدًا. ردّةِ فعل الجسم طبيعية جدًا. كذلك ال... 


التعب الذي ينغزُ أطرافنا طبيعيٌ جدًا. الإجهادٌ الذي يسقطنا في بئر نومٍ، طبيعيٌ جدًا. كُلُّ الأشياء طبيعية جدًا. السماء ذاتها، الأرض كذلك، وكل الأشياء طبيعية جدًا.

     - الغرابةُ تتلبسنَا نحنُ، حتّى يردينَا الحِملُ صرعى في فراش النوم، لا .. الموت الأصغر. الموت؟ هل الكلمةُ مخيفةٌ كثيرًا؟ نحنُ نموت كُلّ يوم وفي موتنا نحيا، نحيا في الرؤى أو الكوابيس. نحيا بعد ذلك أيضًا حياةَ الأحياء الذين أحياهم اللهُ بعدَ موتَتهمُ الصغرى. كلنا أموات بطريقةٍ أو بأخرى، إنّها ذاتُ الحقيقةِ التي نؤمنُ بها، حقيقة أننا أحياء.

 إنّ أنفاسك المتعبة هي الوضع الغير طبيعي. يداك اللتانِ لا تتحملان نفسيهما همّا الوضع الغير طبيعي. الهواء الذي يأبى إلّا والدخول إلى رئتيك لكنّه يعاندهما ويعاند نفسه، هو الوضع الغير طبيعي. الرعشةُ التي تنفضك نفضًا تحتَ أشعةِ الشمسِ الباردة وهواء جهاز التبريد الحار طبيعية إلّا أن مصدرها غير الطبيعي طبيعي. 



مهلًا ! 
أنت على الأرجح تائه، بين العنوان الملقي مع رابط تدوينتي، بين الحديث المتشعب كثيرًا في الأعلى. بين اللطف والقسوة في حروفي وتصرفاتيَ الافتراضية والواقعية لمن يعرفني. الخوف والطمأنينة. الضجيج والسكون. الوصل والقطيعة. الصمت والثرثرة. المتناقضات التي تجتمع فينا مجملًا وتفصيلًا. التي تثور بخمود وتخمد بثوران عظيم. كلنا جيّدون بصورة قد يلحظها البشر، لكننا في المقابل سيئون بشكل لا يتخيلونه. كلنا كومة من التناقضات الداخلية التي إن لم يحكمها أساس صحيح، أردتنى أسفل سافلين. تحطمنا بلا قيود وتحطُم كُلّ بناء نعملُ جاهدينَ لرفعهِ. الغموضُ التّام والوضوحُ المتجلي كشعلةِ شمعةٍ صغيرة في بقعةٍ معتمة. كل التناقضات، كلها كذلك. 


الكلمات تتدفق بلا معنًى، كنهرٍ يجري لأنّه جُبِل على ذلك. لأنّهُ فقط يستَطِيعُ الجريان. قد يكون اختار السكون لكن ضجيج الأرض تحتهُ يحرّكهُ، يستمرُ في تحريكهِ أكثر وأكثر بلا انقطاع يجري، يجري ...

-قُطعَ المشهد- 

أروىٰ بنت عبدُالله 
٨ صفر ١٤٣٧ هـ
٢٠ نوفمبر ٢٠١٥ م
٧:٤٣ م الجمعة. 
قبل أسبوع من تاريخ النشر

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

استياءٌ عابر ..




الساعة الآن الثانية واثنين وعشرون دقيقة صباحًا. أردتُ تسطير رسالة فجريّة للعابرين ولكل من يقرأ أعرفه أم لا. المعرفة الشخصية لا تهم هنا. أنا أكتب لأنّ الله أنعم عليَ بذلك، ولأنني أُريد فعلَ ذلك حقًا.
.
.
.
الساعة الآن العاشرة إلا خمس دقائق، مساءً. هُناك الكثير من النصوص، لكنني على الأرجح سأنشر هذا. نص لا مغزى من كتابته سوى الهرب من متطلبات مشروع الفصل الجماعي. أكره الأعمال الجماعية كثيرا. إن لم أحرص على سير العمل كما يجب وأتحمل بنفسي سدّ النقص في البحث، سأفقد جزءًا من النقاط التي اجتهدت للحفاظ عليها رغم سخرية الزميلات.
.
يبدو النصّ ساذجًا. تبًا للتذمر. لا أُجيده أبدًا. يستحيل إلى تُرهات مع كل كلمة أنطقها أو أكتبها. تتلعثم الكلمات بين شفتي وكأنها كذبة. الأمر قسري، لا أملك خيارًا آخر. التذمر يشعرني بالسوء، كالخطيئة التي يعنّف مرتكبها نفسهُ بها. متناسيًا أُسسَ التوبة وملصقًا إياهَا فيهِ كوصمةِ عار لا ماحيَ لها.
التذمر نقطة سوداء: يراها البعضُ قطرةَ نفط تغنيهِ عن موارد أُخرى، لكنّها ترديه في نهاية المطاف. يراهَا آخرون شامةً مقدّسة على جبين الكون أو تحت عينه. مهما يكُن، لست في موضع بحث عن أقوال المحيط البائس الذي أراه جماعة أجساد تعيش لتكون قطعة طوب مرمية على قارعة الطريق.
 - أرى التذمر كالرّان الذي يضعهُ هاجر القرآن على قلبه. يضعهُ بينه وبين الحياة كاتبًا على نفسه الشقاء. رغم إدراكه التام لمعنى البؤس الذي سيعيشه بسبب ذلك. لا أنكر أننا بحاجةٍ لتفريغ الشحنات السلبية التي توالدها فينا قسوة المحيطات. لكنها تبقى عذرًا أضعف من أن يكسرنا ويردينا شخوصًا عادية يتقي الناس التعثر بأمثالها بُعدًا عنِ التمزق الذي قد يحطم الأهداف التي يبنونها لأنفسهم. بل وأعتبر إنكار ذلك ضعفًا أكبر، إذ كيف يمكن أن ينكر بشريٌ ضعفه؟
.
.
علي أن أتوقف. كان علي ألا أبدأ أصلا. يا لهُزال الحديثِ المقطوع ذا. تعرفون؟ سأواصل العمل على مشروع كان يفترض أن تعمل عليه ثلاث مخلوقات بشرية. لكن التعذر البشري الذي لا ينتهي يقفُ حائلًا بين البشر هؤلاء والنجاح الذي يغردون به. الأعذار التي تجعلهم في نهاية المطاف أجساد تعيش لأن أرواحها لم ترفع إلى السّماء بعد، أجساد منسية في مقابر قصية لا أثر واضح للجنازة التي سارت بها. ولا أثر للحياة التي عاشتها قبل تقديمها لمُغسّلِ الموتى. 
- لستُ فتاةً عظيمة ولم أحقق ما أسير له بعد لذا لا أراني جديرة بالحديث عن الذين غادروا الحياة حاملين معهم كل أمر مضَوا نحوهُ في حياتهم دون أدنى أثر. منطويةٌ كقديسةٍ لا تعرفُ من القداسة سوى هالة النور التي لا تراها في ما حولها لأنها لم تصل للوجهةِ التي ولّت وجهها نحوها.
.
.
الهرب واضح. في كلّ مرّة أقول فيها سأتوقف هُنا عند هذه الكلمة، ثمّ أصفّ بعدها عشرًا. صدقًا، الثقل الذي يرميه المجتمع على رأسك والذي يجعلك تحسب الكون يمشي فوقك لا العكس، يرديك مائة مرة متظاهرًا حشمك/ حمايتك بمحاولته مسح نقطة التذمر السوداء بنقطة أشدّ سوادًا. تحميل النفس عبء الآخرين بسبب قانون إجباري أمر مؤسف.
.
.
أكتب الآن نصًا أكره قراءته وأكره من يكتب مثله وأكره من يراه نصًا يستحق الذكر. نصًا سأندم على نشره إن نشرته. سأستاء من تزايد عدد قُرّاءه. كلّ شيء ينتهي على كل حال. كُره مؤقت، ندم سيُنسى واستياء عابر. الحياة تمضي ونحنُ نمضي وكل شيء يمضي، طال المُضي أم قصُر سينتهي.
.
.
السّلام عليكم وعلي، وعلى السوء المكتوبِ أجله. ذاك الذي يكون عمره قصيرًا بالنسبة لي، فيما مضى على الأقل. الوقت الضائع من حياتي بين هذه الفوضى التي لن تكملوا قراءتها على الأرجح ساعة تامّة تمامًا وقتيا مفزعا. كيف تقرر الكلمات التوقف هنا. إنّها الحادية عشرة إلا خمس دقائق. وداعًا.
.
.
 أروى ..
 23 نوفمبر 2015 م
 10:55 م الاثنين.




الخميس، 12 نوفمبر 2015

مذكرات | أروىٰ في الشام 1




قبل ستّ سنوات من الآن، كيفَ كان صباحي؟ أين كُنت؟ ماذا كنتُ أفعل؟ كيف كانتِ الحياةِ وقتها؟ يا لقدرةِ القدير، كيف كيّفَنا هُناك يومًا، ويومًا هُنا. 

كنتُ أصحو وصوتُ المطر على النافذة يوميا، أقصد المدرسةَ والشوارع غريقة. أعودُ منها عَلى صوتِ أهازيج جارتنا المُسنّة. وحفيدهَا الذي يدورُ حولهَا وهي تداعبُ أغصانَ الزيتون لتقطفَ ثمارَ جُهدهَا ولقمةَ العَيشِ التي تقتاتُ عليها سنينًا. عصرَ كُلّ يوم تخرجُ العائلةُ كُلّها، تتوزعُ حولَ المنزل لحصادِ الزيتون. ولدُها الذي شابَ مما لاقى في الحياةِ يهزّ الشجرةَ التي لا تسقطُ أوراقهَا فصل الخريف. رمزُ الزيتونِ هُناك كرمزِ النخيلِ هُنا في الخليجِ. بينهما أنَا، وبينهما يجبُ أن تكونَ أنت لأنّك مسلم، لأنّك عربي. 

أتذكرُ جيدًا خروجنَا في شوارعِ الحي وتراكضنَا الطويل، تزلجنَا على الرصيفِ تارةً وفي منتصفِ الشارعِ المُفرّغِ لنَا في ذلك الوقت تارةً أُخرى. أتذكَر الصباحات الحيّة بصوتِ المطر ورائحتهِ المختلطةِ بالمساحاتِ التي تغطيها أشجار الجوري المحيطة بشقتنا الأرضيَة في حي الرابية. حرصَ أبي على زراعتهِ بكافةِ ألوانهِ. هُناك من الأصفر واحدة، من الأحمر أربعة، من الزهري اثنتين ومن الأبيض ثلاثة احداها كبيرةٌ جدًا كشجرةِ الكلمنتينا التي كانت في منزلِ الجدّة التي يمتلك ابنها حصانًا أصيلًا جميلًا. كان يتركهُ في سهلٍ مطّلٍ على المنزلِ الذي غادرناهُ بسبب تشقق جدرانه. 

أتذكَرُ الصباحات التي تبدأ بالسلامِ على العمّ ياسر، كان لا ينفّكُ عن رفعِ صوتِ القرآن صباحًا، وهو مارٌ في شوارعِ إربد جامعًا إيانا ليومٍ دراسي جديد. أتذكرُ الهدوء الذي يتلبس ماما حنان مشرفة الحافلة صباحًا وصخب صوتها الحاني مساءً في طريقِ العودة. آه .. كانت العودة عودتين، عودةٌ من المدرسةِ إلى المنزل. وعودةٌ بالروحِ إلى فلسطين. 

أتذكرُ جيدًا الحزنَ الذي يتلبسُ كُلّ شيء، وجوهَ المعلمات نبرةَ أصواتهنّ السكُون الذي يطغى على قاعاتنا المدرسيّة، لم يكن يكسرهُ سوى صوتِ الأذان الذي يطلقهُ مؤذن مسجد المدرسةِ مسجد حسن البنا الملاصق لمبنى الذكور. كنّا نقصدهُ لحضورِ المحاضراتِ مع المعلمةِ التي تحرصُ على أخذنا إليه من حينٍ لآخر. أتذكرُ جيدًا معنى الحياد الذي يكسو ملامحنا ونحنُ نستمعُ للملحمةِ التي تُحدثهَا الانتفاضات، أتذكرُ جيدًا صوتَ بكاء الشيخ ختامَ كُل لقاءٍ داعيًا بالنصرِ لاخواننا المستضعفين في فلسطين وفي كلّ مكان. 

أتذكرُ الصورةَ التي التقطت لأشلاءِ الشهيد الشيخ أحمد ياسين، أتذكرها أكثر من كل شيء، لون الجدار، الشارع، ملامح الطريق، نوع الطائرة، ماذا؟ قطعًا لا يمكن لي تصورها بكلماتي الهزيلةِ هذه. وكأنني أُحاول بذلك منحَ الكلمات جزءًا من الدّقةِ التي تتميز بها أنظارنا عن الكاميرات الرقمية مهما بَلَغَ تطورها. أتذكرُ وجهَ معلمتيَ المُحمّر بكاءً والابتسامةُ تعلوهُ وهي تتدبرُ معنا قولَ اللهِ تعالى: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ". كانت جلّ حياتنا دعاءً بالقوةِ والصبرِ والثبات والنصر وكل شيء. يُمثل الدعاء مفتاحَ كُلِّ شيء في وجودنا. سلامٌ على روحِ الشيخِ المؤسس. 


أتذكرُ وجهَ رجلٍ راشدٍ شابَ رأسهُ وشابت لحيتهُ، أتى مرَّة والأسى بادٍ عَلَيْهِ بشكلٍ لا يُطاق أبدًا. فتحَ بابَ الحافلةِ واستقرّ في مقعدهِ حتّى أنهتِ المعلمةُ إحصاء عددنا، وانطلق. كَانَ وجهه الآخر محمرًا، كان قد نسيَ فتح تسجيل أنشودة "عرس الحريّة" التي يبدأ بها عادةً. كَانَ بالهُ مشغولًا، يقودُ كالمعتاد لكنّه جريح، وما كَانَ جرحهُ سوى غزّة. غزّة التي أظلمت وقتها طويلًا وتقطّعت بأهلها سُبُل العيش. كان العمّ ياسر مهمومًا، وكنا نعلمُ همّه لأنّه همنا الذي نستذكرهُ كُلِّ صباح ونحنُ نردد في الطابورِ الصباحي قصيدةَ الشاعر إبراهيم طوقان:
مَوْطِني!
موْطِني!
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ  وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ
في رُباكْ
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ
في هواكْ
هلْ أراك سالماً مُنَعَّماً  وغانماً مُكَرَّمـاً
هَلْ أراك في عُــلاكْ تَبْلُــغُ السِّماكْ
مَوْطِني!
 مَوْطِني!
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ ، هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ أَويَبيدْ ،
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا كَالعَبيدْ ،
لا نُريدُ ذُلَّنا المُؤبّدا وَعيشـَنا المُنكَّـــدا ،
لا نُـريدُ بَلْ نُعيــدْ  ، مَجْــدَنا التّليــدْ .
مَوْطِني!
الْحُسامُ وَاليَراعُ  لا الكَلامُ وَالنِّزاعُ
رَمْزُنا
مَجْدُنــا وَعَهْدُنا وواجبٌ إلى الوَفا
يَهُزُّنا
عِزُّنا!
غايةٌ تُشَرِّفُ  وَرايةٌ تُرَفْرِفُ
يا هَناك في عُلاك  قاهِراً عِـداك
مَوْطِني!

كانت الأحياء المحيطةُ بالمدرسةِ تضجّ بصوتنَا، نصرخُ من أعماقنَا ويكأنّ الطيورَ تحملنَا حجارةً من سجيل وتُسقطُ أصواتنَا على رؤوس كُلِّ مُعترضٍ على الانتفاضةِ والحركةِ الإسلاميّةِ في فلسطين. وتَحطِمُ بنَا الوجودَ الصهيونيَ في فلسطين، حطمًا. 

أتذكرُ ... 


#أروىٰ_بنت_عبدُالله 
٣٠ مُحَرَّم ١٤٣٧ هـ
١٢ نوفمبر ٢٠١٥ م
١٢:٤١ ص الخميس. 

باجتماعِ نواحِ ثكلى 
وفرحهَا بالشهيد
أكتبُ ..  


الصورة لمدرستي ..
المدارس الإسلامية فرع إربد

ملاحظة: لا أسمح بنقل النصوص من المدونة، من يريدها فليحتفظ بالرابط. شاكرةٌ لكم. 

الأحد، 8 نوفمبر 2015

ميعَاد تقول: للكتابةِ ضريبة ..




كنتُ أتساءل ..
- هل نحنُ مسؤولون عمّا يفهمهُ القُرّاء؟ هل تهورهُم بسببِ فهمٍ خاطئ يُلحقنَا ذنبًا؟ هل علينا شرحُ نصوصنَا؟ هل يجبُ فهرسةُ كُلّ شيءٍ معنويًا ولغويًا؟ هل الكتابةُ تجعلنا سيئين في عيونُ القرّاء؟ هل نقع في الذنب حينَ نشككُ إنسانًا في نفسهِ بسببِ ما كتبنا؟ هل يجبُ أن نصرِّح من المقصودُ في كُلّ ما نكتبهُ لنقطعَ كُلِّ شكٍ باليقين الذي لا احتمالَ آخر فيه؟ ألن يصبحَ فعلُ الكتابةِ حينها مملًا وبلا مغزًى؟ هل من الصوابِ أن نشعرَ بالسوءِ من نظرةِ القرّاء العميقةِ أو القاصرة؟ 

هل تحمِّلُنا الكتابةُ كلَّ هذا السوء؟ هل تجعلنا الأقسى والأكثر صلابةً والأكثر معرفةً والأنقى، بسبب وجهةِ نظرِ القرّاء؟ هل الكتابةُ لعنةٌ فعلا، أعني بذلك: هل هي طردٌ من رحمةِ الحياةِ؟ أو رحمةِ العقول؟ 

هل نحنُ سيئون لأننا نكتبُ عن أنفسنا ما يحسبهُ الجميعُ عنه؟ هل نحنُ حمقى حينَ "نكتبُ شيئًا يرى فِيهِ الجميعُ شيئًا يخصّه"؟ هل يمكن أن يقتتلَ البشرُ بسببِ كلمةٍ كان ذنبها أنها كُتبت؟ نعم يمكن، لذا/ هل يجبُ أن يتحمّل كاتبها الوِزر الذي يأتي بعدها؟ 

تساؤلاتُ كثيرة .. لكنّها بإجابةٍ وحيدة/ لا. 

#أروىٰ_بنت_عبدُالله 
١٨ مُحَرَّم ١٤٣٧ هـ
٣١ أكتوبر ٢٠١٥ م
٤:٠٩ م السبت.