رأيتني في الزّاويةِ هُناك ..
أحادثُ زوينة وموّدة من نافذةِ الصف، وأنتظرُ خروجَ مروة. كانتْ أسماءُ تكتبُ شيئًا مَا في دفترهَا. معلمُةِ العُلومِ فِيْ اجازةٍ، والمعلمةُ البديلةُ لم تأتِ بعد.
حسنًا، أتعلمون؟ لا، لا تعلمونَ شيئًا. أبدًا.
كانتْ تسوقُ ليَ الأيامُ في كُلِّ يومٍ حكايةً جديدة. جديدةً كليًا، وتحاولُ أن تشغلني عن الحكايةِ الأعذب. عَن السيدةِ الأُولى في ذلكَ العَام. مدرستيَ الثالثة، أرض القوّةِ الأولى، وجدارُ الصمودِ الأول. عمليّةُ الاصلاحِ الأولى. المعلمةُ الصديقةُ الأولى. المديرةُ العطوفةُ الأولى. الأخصائيةُ الجديرةُ الأولى. وأنا طالبةُ الطابورِ الأولى. وعبقريّةُ الرياضياتِ الأُولى. ومعجمُ الصفِ الأول.
من ذلكَ كُلهِ لم يبقى سوى المبنى. مبنى المدرسةِ التي جمعتنَا في مساحةٍ واحدةٍ، محيطٍ واحد. قابلتُهَا اليومَ وبيَّ من العَبراتِ بحارٌ بلا شطئانٍ. استحضارُ الشعورِ الكامنِ في كُلِّ ممرٍ مضينَا فِيهِ سويًا نتحدث. كَانَ الوقتُ أسرعَ مما ظننتْ، سريعًا للدرجةِ التي جعلتنَا نتخرجُ منفردين، كُلٌّ في درب. ثمَّ أتى التخرجُ الأخيرُ، وقد سافرنَا كلٌ في طريق، في دولةٍ مختلفةٍ ورقعةِ أرضٍ بجغرافيا مختلفة.
مررتُ على الصفِ الذي حمَل الجيدَ والسيء من الذكريات، وقفتْ كتمثالٍ أتأملُ نوافذهُ، الطاولات، السبورة، الستائر وحتّى الأرضيّة. هِيَ نفسهَا تمامًا كَمَا تركناهَا يومَ آخرِ اختبارٍ لنَا في الصفِ التاسع. غرفةُ المعلماتِ على يمينهِ تغيّرت كثيرًا. تمثَل لي كُلِّ شيء؛ زميلاتي والمعلمات، أينكم؟ أروى أنا، أنَا هُنا حيثُ التقينَا، اللقاء الأول. أنا هُنا أتأملُ تفاصيلَ عامينِ قضيتهُمَا بينَ أروقةِ هذهِ المدرسة.
سرحتُ كثيرًا، حتّى وجدتني واقفةً في المكانِ نفسهِ وقد غادرَ الجميع! لعلّهَا لوحُ الذكرياتِ الأول في وطني، والذي أستعذبُ الإتيانَ بتفاصيلهِ بينَ حينٍ وآخر، ونبشَ متعلقاتهِ أيضًا. سلامٌ على أرواحكُم الطيّبةِ أحبتي.
#أروىٰ_عبدُالله
٢٧ رمضان ١٤٣٦ هـ
١٤ يوليو ٢٠١٥ م
الثلاثاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق