الخميس، 10 سبتمبر 2015

كُلُّ الدروبِ طويلةٌ ..




كُلمَا أتيتُ لأكتب، أسرَحُ بعيدًا قبلَ أن أخُطَّ الحرفَ الثاني من الكلمةِ الأُولى. تنتشي فيّ الأفكارُ بمشاعرهَا، والصحُو من كُلِّ ذلك يكونُ بعدَ أن أقرر التوقف عَنِ اللعب في محطةِ القطار التي أركضُ بفتاهَا طويلًا، طويلًا جدًا. 
- إنّ أصعبَ أمرٍ قد يطلبهُ مني بشري، هو أن أُقرّ لشيءٍ مَا. أن تكونَ بين شفتيَ، كلمةُ الحسمِ الأخيرة. قرارُ اتخاذِ القرارِ بحدّ ذاتهِ، أرقٌ.

الحقيقةُ هُنا، أن القرارَ الذي طُلبَ منيَ الإدلاءُ بهِ كَانَ قرارَ الرحيل. لطالمَا قلتُ "الرحيلُ ليسَ خيارًا سهلًا، لذَا فالراحلونَ عادةً يستجلبونَ الشجاعةَ، يتلبسونهَا! ويطلبونَ من اللهِ القوّة. القوّة. يحتسبونَ رحيلهُم لله." لك يا ربّ. أدعو كثيرًا/ اللهُ بقوّتهِ معي، اللهُ بقوّتهِ معهُم. معنَا أنتَ يا ربّ. لنَا أنت يا ربّ وحدك، وحدكَ لا شريكَ لك. 

بعدَ كُلِّ الكلماتِ المكسوةِ بطابعِ القوّة البشرِيّةِ، أبقى الضعيفة الخائفة. كنتُ أهتزُ من هيبةِ اسمِ اللهِ لأتخطى مرحلةَ الخوفِ التي أذبلت عيناي. إننا لا نطمئنُ إلّا بذكرِ الله. نمضي في الحياةِ نستأنسُ بهِ. مهمَا طالَ الطريق ومهمَا كان حجمُ البينِ بيننَا وبينَ قُلوبنَا في مكانِ آخر. نستمسكُ ونصطبرُ، لأننا نمضي في كُلِّ الدروبِ الطويلةِ هذهِ لله. 

لم أُودّع أحدًا، الوداعُ لا يليقُ أبدًا. أبدًا. كُلّ ما استطعتُ قولهُ: سنلتقي، سنلتقي بإذن الله. لا تقولوا الوداع. أنا باقيّةٌ هُنا. كنتُ أُكابر مكامنَ نفسيَ المشتعلة وأبتسمُ بصدقٍ تام. كَانَ عليّ أن أبتسم لأكون بخير ولو قليلًا. كنتُ أحاول الهرب من لقاء أي أحد. ولكن! قبلَ وصولي إلى الجامعةِ لم أتمالكني فأرسلتُ لهنَّ ولقيتهنّ. أدركتُ حينهَا أنني سأبدو حمقاء أمام نفسي إن هربتُ هكذا. كنتُ لأُعذبني، لأننا لم نكن معًا منذُ أربعةِ أشهرٍ رُبما. أعدتُ روحي واستعدتُ نشاطي فمضيتُ باطمئنان.

كُنت أواجهُ نفسي بالحقيقةِ كُل مرَّةٍ وأهرب. لكنني وقفتُ بصلابةٍ يومهَا، عليَّ أن أكون قويّة لقد قررت وانتهى الأمر. موقنةٌ بأنهَا الخُطوة الأخطر في خط حياتيَ الزمني. علّي أن أصنع من انتقالي ذَا إنجازًا يستحقّ كُل هَذَا العناءِ الذي بذلتهُ في التفكير! وفي كُلّ الأمورِ الأخرى.  يجبُ أن يكُونَ لهذَا الرحيل قيمة. علّي أن أمضي لما خططتُ لهُ، علّي أن أرفعنيَ دنيا ودين. أحملُ أمانةَ روحي وجودي وكُلَّ أحلامي. 

يا أصدقاء. أقولهَا لَكُم كَمَا قُلتهَا لنفسي. كونوا أقوياء، أقوياء بالله. امضوا في سبيل تحقيق أحلامكم. تخيلوا إنجازكم اللاحق، ارسموا حياتكم في خطّة. استمتعوا كثيرًا وكونوا بخير. خذوا بأيدي بعضكُم نحو الجنَّة. امضوا في مشروعِ حفظ الكتابِ العَظِيمِ التي خططنَا لهَا في جلسةٍ عابرة. خذوا بعضكُم نحوَ الجنَّة، وخُذوني معكُم في الدعواتِ. كونوا أقوياء. أقوياء بالله. حسنًا، لا بأس بالبكاء، إنّهُ القوّة التي تغسلُ أرواحنَا، أوليسَ الله أعلم بلوعةِ الحزن؟ جعلهَا لنا لنبكي. لا بأس. كونوا بخير. "يا صاحبي ربي معك، حاشاهُ أن ينساكَ أو أن يقطعك."

لمَ أستوعب فكرَة أنني كتبت، لكنني فعلت. أصدقُ كلماتنا ترتقي بالشفافيّة والعفويّةِ التي تخرجُ بهَا. آسفةٌ لنفسي التي أواسيهَا بالكلماتِ التي تُبكي الآخرين، فأقسو عليهَا عوضًا عن طبطبتي لهَا بهَا. 

لا أصعب من أن أختارَ عنوانًا لهذهِ التدوينة. 
- كُلُّ الدروبِ طويلةٌ، 
والأمنياتُ بدربنا ..
تختالُ. 

#أروىٰ_بنت_عبدُالله 
٢٦ ذو القعدة ١٤٣٦ هـ
١٠ سبتمبر ٢٠١٥ م
١٢:٢٣ ص الخميس.  

هناك تعليقان (2):

  1. رواء ♡
    لا أظنني تعلمتُ من أحدٍ أكثرَ من ما تعلمتُ منكِ معنى:
    "كونوا باللهِ أقوياء".

    صاحبكِ التوفيق رفيقة الخير ♡
    ويسرَ دربكِ وشرحَ صدركِ وأسعدكِ دنيا وأخرى ~

    ردحذف
    الردود
    1. ذلك من حُسنِ ظنك يا رفيقة،
      يا رب يا ربّ وإياكُم أجمعين ..

      حذف