أجول بنظري في الأرجاء، أتأمّل المنازل حولي، منها الجديد، ومنها ما تحت الصيانة، بينها ما لم يكتمل بعد، ومنها القديم المتهالك، هذا من حيث المباني! أمّا من حيث الحياة فمنها المخضرّ تُسمع من بين نخيله أصوات العصافير الصغيرة وهديل الحمام الزاجل، ومنها الأجرد باسم الحداثة في المعمار.
أعود لأقربها إلى قلبي، أسلّم على جدرانه وأمر على كلّ أشجاره تحيةً وسلاما، أُسبِّح معها مساءً ساعة التجوال، بعد أشهر من استمرار المشهد وتكراره، أجد في نفسي أثرًا بالغ الوضوح، لي بيت ما زال تحت الصيانة، أسكنه وأحاول قدر المستطاع إتمام النواقص في الهيكل الذي غيرت بعض حدوده، أعمل جاهدةً لجمع شيء من المال حتى أتمّ جدران بعض غرفه، كما أنني لا أنفك عن زيادة أشجاره ونخيله على وجه الخصوص، كلما امتدّت الخضرة أمامي تذكّرت بساتين روحي الممتدة، أعتني بربيعها المزهر كأن لا شغل لي غير البستنة.
ورغم الجمال ولذائذ الثمارِ وعذوبة الماء، إلا أن الخراب الناتج عن التأخر في أعمال الصيانة، والغبار الذي لا يختفي أبدًا من أثره مهما نظفت فناء المنزل وحديقته الداخلية يزعجني، ويمنعني من الاستمتاع بالشرفة المطلة على تلك الخيرات، حتى أدركت أن ما صُرف للأنعام والحرث كان الأولى أن يُصرف لإتمام البناء الأساسي، كنت أعرف ذلك من البداية لكن التعلل بالتراخي في الأمر المطلق جعلني أقف على شفا حفرة، يدفعني نحوها كمّ هائل من الدّيون! "داينت أروَى والديون تقضى، فمطلت بعضًا وأدّت بعضا"، هكذا تمامًا، لكن الله سبحانه أنقذني بفضله ورحمته، فإذا بالحفرة تُردم بجذوع النخيل، وإذا بأيادي بالأعداء تقبض بل وتكسر أمام عيني، وتنتشلني يد عنايته فوق يدي الضعيفة المرتعشة التي بقيت ممدودة إليه.
يا ربّ ﴿غُرَفٌ مِن فَوقِها غُرَفٌ مَبنِيَّةٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ﴾، سلعة غالية لا أقوى على دفع ثمنها دون معونتك، أنا أفقر من أن أطلب علاها لكنني أطلبه من غنيّ! يتولّى أمر عبده الذي أُحصِرَ في سبيله لا يستطيع كثير ضرب في الأرض يحسبه الجاهل غنيًا وهو أفقر الخلق إلى حبّك وقربك، لا أُعرف بسيماءٍ ولا ألحّ في مسألتي إلا ببابك، اللهُمّ حبك وحب من يحبك وحب كلّ عمل يقربنا إلى حبك، كلّ عمل يا ربّ، كل عمل.
أروى بنت عبدالله
١٢ رجب ١٤٤٤هـ
٣ فبراير ٢٠٢٣م
الجمعة ٩:٠١م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق