الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

#سوالف_خريج (١)

تنبيه: في التدوينة نقشٌ حزين.. 

مرحبًا يا أصدقاء .. 
بعد الفصل الصّيفي، حظيتُ بإجازةٍ مدّتها ٣ أشهر، شهر مرض جدي وشهران قضيناها نتنقل بين مجالس العزاء إذ فقدت جدي لوالدي وبعده فقد أبناء عمي جدهم لأمهم، ثم توفي الجد زوج عمة أبي، ثم جد أبناء عمي لأمهم، ،الجدّ الخامس كان عمّ أبي وابن عمته وأخ عمي بالرضاعة. كيف تربطنا الدماء بالأجداد حتّى إذا نبش الخيال صناديق الذاكرة فار فينا الدّم مشعلًا في الرّوح أوجاع الفقد. 

عدنا بعدها إلى الحياة على مضض، راضين بقضاء الله وقدره، ندفع بأنفسنا دفعًا نحو الالتزامات الاجتماعية تارةً، ونحو الالتزامات الشخصيّة الأخرى. ثقيلٌ الحديث عن الأيام التي لا يعرف المرء كيف ستنتهي وكيف نكون بعدها، حتى وجع القلب ونغمات الرّوح تعود بمجرد تراءي مشهد الوداع، الجد بكفنه والجدة تبكي ويتحشرج صوت الدعاء شاقًا طريقه إلى أذاننا. يظن المرء أنه سيصبح أقوى، سيستطيع التحكم بدمعه وحرقة قلبه، سيستطيع منع نفسه من أكل شفافهه وقضم أصابعه والقبض على ساعده بقوّة. لكن أيًّا من هذا لا يحدث، بل وعلى العكس، تزيد هشاشة النّفس، وتنقطع الأنفاس من شدّة البكاء ويشتدّ وجع الرأس من طولِ وقته والغصة المصاحبة له. 

ما الذي يمكن لخرّيج أن يقوله وهو عائد إلى مكان ما بعد الفقد لأول مرة، كيف أبدأ دون أن أتصل بجدّي وأخبره بأن الفصل بدأ، وكيف سأتوجه إلى قاعة الاختبار دون أن أتصل به لأخبره أن الاختبارات بدأت وأطلبه الدعاء، كيف سيرسل لي عتابه في مجموعة العائلة أنني أنهيت اختباراتي ولم أتصل لأخبره وأطمئن عليه؟ لم نحمّل أنفسنا الأوجاع رغم ثقلها بتفاصيل كثيرة. لم يسحبنا الفقد في الشوارع والأزقة والصّور والملفات الصوتية ويجرّنا بكل خيوط الذكريات! 

بعد فصول قضيت كل واحد منها بين ٦ مواد دراسية بمعدل ١٨ ساعة، أبدأ الفصل قبل الأخير ب٤ مواد فقط، وهذا يجعلني أستهين بالحضور لكنني أحضر، وأرى الدراسة كلعبة وألعب! حاولت أن أركز مع الأستاذ لكنني لا أُفلح كثيرًا، ... ٢١ سبتمبر ٢٠١٩م. ٣:٠٣ م. 


خرجتُ من أوّل اختبار لهذا الفصل والضيق يُكدِّس نفسه فيَّ بطريقة ما، لا أعرف ماذا أكتب وقلمي غير جيد ويدي تؤلمني. وقفت قرابة الخمس دقائق في منتصف الدرج وأنا نازلة، لماذا سلمتِ الورقة؟ لماذا خرجتِ؟ لم أُحبطتِ هكذا؟ كل ما أذكره أنني واصلت طريقي وعندما وقعت عيني في عيني فتاة في الممر أشحتها بسرعة خشية أن تقرأ فيهما شيئًا. من يتحاشى النظر إلى عينيه في المرآة خشية أن يلمح كم تغير كثيرًا، خشية أن يرى فيهما صورة متغيرة للأحبّة وخشية المواجهة. ثم يعود أدراجه ويقف متحديًّا كلّ تلك الخشية ومُطلقًا مدافع دموعه لأن الأمر لا يمكن تجاوزه ولا يمكن تجاهله ولا التغافل عنه. 

لعلّ أكثر ما يبعدني عن الكتابة هو هذا الحزن الطّافح، أتذكر المرّات التي ألغيت فيها متابعة فتاة بسبب الهلع الذي يصيبني من تغريداتها عن الفقد، أتذكر حالة اللاوعي من الصدمة التي مررت بها بسبب كلمات معدودة وأخاف تكرارها. لكن، في اللحظة التي نعيش فيها الشعور ذاته، نصبح نحن مصدر تلك الكلمات بل وأشدّ على أنفسنا وأقسى، نجلِدُ بقوّة لأن الألم خدّر الحواس في لحظة، ثم وما إن نعود إلى رشدنا نتجرّع مرارة ما صنعنا. 

كلما زدت في التدوينة كلمة، زاد ترددي في أمر نشرها.. ثمّ أتذكّر التعريف الذي وضعتُهُ للسلسة #سوالف_خريج عن قصص تتردد في مذياع لا يصمت، وصوته لا يصل إلى مسامع أحد. 
أتمنى أن لا تتأذى قلوب الأصدقاء بهذا.. نحن نتجاوز مراحل الحياة الثقيلة بالكلمات وبالرّفاق. وأتمنى دائمًا أن يدرك الرّفاق أهمية كلماتهم في قلوبنا، وأثر رسائلهم في دروبنا. 

أروى بنت عبدُالله 
٢ أكتوبر ٢٠١٩ م. ١:٢٤ ص. 

الأربعاء، 15 مايو 2019

#سوالف_خرّيج | استهلال




في اللحظة التي يبدأ فيها تداول سؤال "كم مادة باقي؟" بين الأصدقاء، يبدأ شعور التخفف من ثقل المكان بالظهور شيئًا فشيئًا. حتّى اللحظة التي نصطدم فيها بعناق صديقٍ أتمّ عرض مشروع تخرجه وأنهى آخر اختبارٍ له، بين مباركات عميقات وشكل من الانفصال لا يمكن تجاوزه بأي طريق. تجد نفسك بين صديقين آخرين، بين مودِّعٍ ومودَّع، يُثقلك ما بقي من مواد، ويخيفك مضيُّ الأيام السّريع. تقف مع نفسك على مفترق طرق، بين أن تتخرج في الخريف أو تقسم ما بقيّ على فصلين وتتخرّج في الربيع! بين أن تمضي في التسجيل لفصل الصيف، وبين أن تحذفه وتستأثر بالشهر الفضيل لنفسك! بين أن تضحي برغبة نفسك وتجاهد في سبيل أن لا يقتلك الغيظ لو ثبتت احتمالية أن يُدرِّس مادة أخلاقيات العمل القانوني من له مع الغش مسيرة مشهودة، ويكون في القاعة أبطال تلك المسيرة، ويكون المثال والمثل المطروح يُناصر من يدفع له مالًا أكثر، ويوسع دائرته الاجتماعية.  

تبدأ تفكّر أكثر من ذي قِبل بخططك خارج نطاق الدراسة والعمل، الخطط التي بقيت تنام وتصحو في رأسك كل يوم، وتجرّها معك في كل طريق تسلكه، تفكّر باللحظة المناسبة لإطلاق سراح نفسك منها، ومنحها شكلًا من أشكال الحياة بنقلها من دفاترك المثقلة بالخطط إلى الواقع العملي. وتفكّر أكثر بالعناية التي يتطلبها العمل عليها، أن تكوِّن فكرتك، وتحميها، وتسعى لنشر رسالتك بها، ودعم القضايا التي تهمك، ومشاركة الآخرين بناء أحلامهم واستنهاض عزائمهم. 

رُبّ فكرة أرّقتك، فأفاضتك. وترددت على مسامع من حولك، فأضجرتهم. وخرجت للمجتمع، فقوّمته! 
اللهم أفض علينا خيرك. واقبلنا عندك، وارزقنا القَبول الحسن في الدنيا والآخرة. وقوّمنا وقوّم مسيرنا إليك. وأصلحنا واجعلنا مصلحين، داعين إلى سواء السّبيل ببركة قربك، وبذكرك وهُداك.  

أروى بنت عبدالله .. 
٩ رمضان ١٤٤٠ هـ | ١٥ مايو ٢٠١٩ م 




الخميس، 14 فبراير 2019

ما الذي صنعك؟



يصعب على الإنسان أن يصرِّح ببساطة أو وضوحٍ عن المواضع التي عومل فيها بدونية أو استصغار لأيّ سبب كان ومن أي كائن كان. لأن طبيعته البشرية أو ما خلقه المجتمع من شكليات يصنع فيه رغبة ملحة في تلميع صورته ليكون أفضل من شخص يعرفه أو شخصية مثالية رسمها له خياله. وقد يحالُ ذكره للحظات تخطيه مراحل حياته الصعبة إلى نرجسيةٍ أو غرور. وكلا الحالتين تؤثر على نظرة الإنسان لنفسه وتقدير استحقاقه لما يمر به من خير في حياته، ومن شر في حال تعرضه للسخرية في المجالس أو الإحراج في الأنشطة الإجتماعية. وتعامل الناس مع كل ذلك هو ما يصنع الاختلاف في حياتهم، وإن تشابهت ظروفهم. من هنا ننطلق إلى محاولة فهم الحقيقة التي تقف وراء نقاط القوة والضعف لدى كلٍّ منَّا، وأثر الظروف التي مررنا بها في حياتنا على تكون شخصياتنا، ثم إلى أهمية الاستقلال الفكري في بناء شخصياتنا وبناء الأمَّة. 

كثيرًا ما يعيد الإنسان النظر إلى مواقف مر بها في طفولته أو مرحلة ما من نضجه محاولًا كشف سبب تكوُّن بعض الصفات في شخصيته واكتساب بعض العادات، وتأثيرها على طريقة تعامله مع ما حوله من مجريات. وبعد معرفته لتلك الأمور يمكن أن يتوقع رد فعله لأنه سيكون بين أمرين لا ثالث لهما إما امتنان لما بناه أو انتقام مما حطمه. أما الامتنان فيكون نتاج حالة الرضا التي يعيشها مع وضعه الحالي والذي ما كان ليكون لولا ما مر به، يبدأ فيها بعدِّ المواقف التي أدرك فيها المعاني في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف". ومن القوة هنا أن يقف الفرد في وجه كل من يحاول زعزعة ثقته بنفسه وبما يفعله، وأن يتحدّى الفكر الجمعي لدى المتنمرين عليه بسبب اختلافِهِ. وعليه أيضًا أن يراجع تصرفاته مع الآخرين، إذ قد يتنمر هو بدوره على من حوله دون أن ينتبه وذلك من سعي عقله اللاواعي للانتقام، لأنه تعرَّض للتنمر أو الاستنقاص في حياته والذي قد يكون بدأ من سن صغيرة. وسعيه للانتقام قلب للأدوار، إذ يصبح فيه جانيًا بعد أن كان ضحيةً لتصرف عدواني تعرض فيه لنوع من الأذى. لذلك على الإنسان الواعي أن يسلط الضوء على طريقة تعامله مع نفسه والآخرين لما لها من أثر نفسي كبير وذا مدًى بعيد أيضًا عليهم وعليه وعلى المجتمع ككل. ومحاولة الضحايا للانتقام من كل من وما أساء لهم يُفسد قيم الفضيلة، ويرّبي في النفس العداء والكراهية للآخر، ويخلق مجتمعًا مهتز الأركان يحاول أفراده إستعادة شعور التفوق المسلوب منهم تباعًا، بالتسلط!  

إن إلقاء اللوم بشكل دائم وشائع على الظروف، هو العذر الذي يعمل بمثابةِ شمّاعة يعلق فيها الناس معاطف إخفاقاتهم وعثراتهم في الطريق التي حسبوها سلم نجاح وكانت لهم حفرة فشل عميقة، وما ذلك إلا بسبب إقصاء أنفسهم من دائرة المسؤولية. لو أنهم وضعوا نصب أعينهم قول الله تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ما يعني أن الله بيّن للإنسان طريق الخير وطريق والشر وجعل له الاختيار، واختياره يحدد ما ستسير عليه حياته، وتحدد طريقة تعامله مع الظروف الطريق الذي يريده لنفسه. ويبصرنا هذا أيضا بأهمية تعلم فن صناعة القرار، لأن القرارات كثيرًا ما تكون مصيرية وذات أثر مباشر على حياة الفرد. أذكر من هنا ما قاله ستيفن كوفي: "أنا لست نتاج ظروفي، أنا نتاج قراراتي"، والذي حمَّل فيه نفسه تكوين شخصيته، إيمانًا منه بأن القرار هو ما يحرك قارب حياته لا الظروف المناخية التي تحرك أمواج البحار. ولو آمن الناس بهذا، لأدركوا قيمة أن يكون لهم الاختيار وبين أيديهم القرار الذي يحركهم في أصعب الظروف وأحلك الليالي للوصول إلى ما خططوا له من أهداف. لا تنتظر الظرف المثالي لتغير حياتك، فالحقيقة هنا أنَّ الظروف السيئة جاءت نتاج قرارات سيئة، وخنوعٍ للملهيات التي أخذت الفرد من نفسه، ودفتعه بعيدًا عن تحقيق مسؤوليته المجتمعية إذ كيف عضوًا فاعلًا وصانع قرار وهو لا يعرف كيف يدير نفسه وما يمر به، وحمل مسؤولية ذلك للظروف. 

من هنا تأتي أهمية الاستقلال الفكري، علينا جميعا تحطيم فقاعة الناس المتشابهين التي صنعتها التقنية بمصطلح القرية الصغيرة. إن مصطلح الاستقلال عميق جدًا، فهو التحرر من كل ما قد يقيد حرية الاختيار بأي وسيلة كانت. يدخل المتحدث في ما يتعلق بالاستقلال في الفلسفة الأخلاقية والسياسية مثلًا. وجاء ذكر الاستقلال الذاتي في علم النفس بمفهوم "قدرة الفرد العاقل على صنع قراره الذاتي أو قانونه بنفسه من دون تدخل من أي طرف آخر سواء كانت الدولة أو المجتمع. ويتم استخدام هذا المصطلح للإشارة لتحديد المسؤولية الأخلاقية لتصرفات الفرد". وذكرت الاستقلال الفكري على وجه الخصوص هنا، للإشارة إلى أن فكر الإنسان السليم القوي القويم هو ما يحدد قدرته على صنع قراره، فالذي يقرر بناءً على مبدئٍ ثابت وقيم راسخةٍ لا يمكن أن يغيره شيء ولن يصبح لعبة خفيفة يتقاذفها هواه أو ألسنة الناس. والمبادئ التي تبنى على أساس متين يتمثل في القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي التي يمكن للإنسان أن يكون قويًا بها، ومستقلًا بفكر سليم وعقل متفتحٍ على الحقائق ومتسلحٍ بها.

ختامًا، تذكر أن ما يُحدث الفرق في حياتك عن حياة الآخرين هو خطابك لنفسك، وطريقة تعاملك مع الظروف التي تمر بها لا الظروف نفسها. انتبه لحديثك مع نفسك وما تظنه بها، صوتك الداخلي أكبر مؤثر على تحركاتك، ازرع فيه المسؤولية الذاتية والمسؤولية المجتمعية لتكون المؤمن القوي الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسعَ لتكون ذا أثر طيب. تذكر أنّك امتداد أفكارك لا نتاج معاملة سيئة تعرضت لها في طفولتك. لا تتعذر بالظروف، ولا تسمح لأحد أن يختطفك. لا تجعل آراءك رهينة المشاهير والحكومة، تسلّح بما تستطيع من علوم. اقرأ، اقرأ، اقرأ ثم اكتب وقرر ماذا ستكون وفي أي صف ستقف.  

أروى بنت عبدالله
١٩ ديسمبر ٢٠١٨ م.