تنبيه: في التدوينة نقشٌ حزين..
مرحبًا يا أصدقاء ..
بعد الفصل الصّيفي، حظيتُ بإجازةٍ مدّتها ٣ أشهر، شهر مرض جدي وشهران قضيناها نتنقل بين مجالس العزاء إذ فقدت جدي لوالدي وبعده فقد أبناء عمي جدهم لأمهم، ثم توفي الجد زوج عمة أبي، ثم جد أبناء عمي لأمهم، ،الجدّ الخامس كان عمّ أبي وابن عمته وأخ عمي بالرضاعة. كيف تربطنا الدماء بالأجداد حتّى إذا نبش الخيال صناديق الذاكرة فار فينا الدّم مشعلًا في الرّوح أوجاع الفقد.
عدنا بعدها إلى الحياة على مضض، راضين بقضاء الله وقدره، ندفع بأنفسنا دفعًا نحو الالتزامات الاجتماعية تارةً، ونحو الالتزامات الشخصيّة الأخرى. ثقيلٌ الحديث عن الأيام التي لا يعرف المرء كيف ستنتهي وكيف نكون بعدها، حتى وجع القلب ونغمات الرّوح تعود بمجرد تراءي مشهد الوداع، الجد بكفنه والجدة تبكي ويتحشرج صوت الدعاء شاقًا طريقه إلى أذاننا. يظن المرء أنه سيصبح أقوى، سيستطيع التحكم بدمعه وحرقة قلبه، سيستطيع منع نفسه من أكل شفافهه وقضم أصابعه والقبض على ساعده بقوّة. لكن أيًّا من هذا لا يحدث، بل وعلى العكس، تزيد هشاشة النّفس، وتنقطع الأنفاس من شدّة البكاء ويشتدّ وجع الرأس من طولِ وقته والغصة المصاحبة له.
ما الذي يمكن لخرّيج أن يقوله وهو عائد إلى مكان ما بعد الفقد لأول مرة، كيف أبدأ دون أن أتصل بجدّي وأخبره بأن الفصل بدأ، وكيف سأتوجه إلى قاعة الاختبار دون أن أتصل به لأخبره أن الاختبارات بدأت وأطلبه الدعاء، كيف سيرسل لي عتابه في مجموعة العائلة أنني أنهيت اختباراتي ولم أتصل لأخبره وأطمئن عليه؟ لم نحمّل أنفسنا الأوجاع رغم ثقلها بتفاصيل كثيرة. لم يسحبنا الفقد في الشوارع والأزقة والصّور والملفات الصوتية ويجرّنا بكل خيوط الذكريات!
بعد فصول قضيت كل واحد منها بين ٦ مواد دراسية بمعدل ١٨ ساعة، أبدأ الفصل قبل الأخير ب٤ مواد فقط، وهذا يجعلني أستهين بالحضور لكنني أحضر، وأرى الدراسة كلعبة وألعب! حاولت أن أركز مع الأستاذ لكنني لا أُفلح كثيرًا، ... ٢١ سبتمبر ٢٠١٩م. ٣:٠٣ م.
خرجتُ من أوّل اختبار لهذا الفصل والضيق يُكدِّس نفسه فيَّ بطريقة ما، لا أعرف ماذا أكتب وقلمي غير جيد ويدي تؤلمني. وقفت قرابة الخمس دقائق في منتصف الدرج وأنا نازلة، لماذا سلمتِ الورقة؟ لماذا خرجتِ؟ لم أُحبطتِ هكذا؟ كل ما أذكره أنني واصلت طريقي وعندما وقعت عيني في عيني فتاة في الممر أشحتها بسرعة خشية أن تقرأ فيهما شيئًا. من يتحاشى النظر إلى عينيه في المرآة خشية أن يلمح كم تغير كثيرًا، خشية أن يرى فيهما صورة متغيرة للأحبّة وخشية المواجهة. ثم يعود أدراجه ويقف متحديًّا كلّ تلك الخشية ومُطلقًا مدافع دموعه لأن الأمر لا يمكن تجاوزه ولا يمكن تجاهله ولا التغافل عنه.
لعلّ أكثر ما يبعدني عن الكتابة هو هذا الحزن الطّافح، أتذكر المرّات التي ألغيت فيها متابعة فتاة بسبب الهلع الذي يصيبني من تغريداتها عن الفقد، أتذكر حالة اللاوعي من الصدمة التي مررت بها بسبب كلمات معدودة وأخاف تكرارها. لكن، في اللحظة التي نعيش فيها الشعور ذاته، نصبح نحن مصدر تلك الكلمات بل وأشدّ على أنفسنا وأقسى، نجلِدُ بقوّة لأن الألم خدّر الحواس في لحظة، ثم وما إن نعود إلى رشدنا نتجرّع مرارة ما صنعنا.
كلما زدت في التدوينة كلمة، زاد ترددي في أمر نشرها.. ثمّ أتذكّر التعريف الذي وضعتُهُ للسلسة #سوالف_خريج عن قصص تتردد في مذياع لا يصمت، وصوته لا يصل إلى مسامع أحد.
أتمنى أن لا تتأذى قلوب الأصدقاء بهذا.. نحن نتجاوز مراحل الحياة الثقيلة بالكلمات وبالرّفاق. وأتمنى دائمًا أن يدرك الرّفاق أهمية كلماتهم في قلوبنا، وأثر رسائلهم في دروبنا.
أروى بنت عبدُالله
٢ أكتوبر ٢٠١٩ م. ١:٢٤ ص.
مرحبًا يا أصدقاء ..
بعد الفصل الصّيفي، حظيتُ بإجازةٍ مدّتها ٣ أشهر، شهر مرض جدي وشهران قضيناها نتنقل بين مجالس العزاء إذ فقدت جدي لوالدي وبعده فقد أبناء عمي جدهم لأمهم، ثم توفي الجد زوج عمة أبي، ثم جد أبناء عمي لأمهم، ،الجدّ الخامس كان عمّ أبي وابن عمته وأخ عمي بالرضاعة. كيف تربطنا الدماء بالأجداد حتّى إذا نبش الخيال صناديق الذاكرة فار فينا الدّم مشعلًا في الرّوح أوجاع الفقد.
عدنا بعدها إلى الحياة على مضض، راضين بقضاء الله وقدره، ندفع بأنفسنا دفعًا نحو الالتزامات الاجتماعية تارةً، ونحو الالتزامات الشخصيّة الأخرى. ثقيلٌ الحديث عن الأيام التي لا يعرف المرء كيف ستنتهي وكيف نكون بعدها، حتى وجع القلب ونغمات الرّوح تعود بمجرد تراءي مشهد الوداع، الجد بكفنه والجدة تبكي ويتحشرج صوت الدعاء شاقًا طريقه إلى أذاننا. يظن المرء أنه سيصبح أقوى، سيستطيع التحكم بدمعه وحرقة قلبه، سيستطيع منع نفسه من أكل شفافهه وقضم أصابعه والقبض على ساعده بقوّة. لكن أيًّا من هذا لا يحدث، بل وعلى العكس، تزيد هشاشة النّفس، وتنقطع الأنفاس من شدّة البكاء ويشتدّ وجع الرأس من طولِ وقته والغصة المصاحبة له.
ما الذي يمكن لخرّيج أن يقوله وهو عائد إلى مكان ما بعد الفقد لأول مرة، كيف أبدأ دون أن أتصل بجدّي وأخبره بأن الفصل بدأ، وكيف سأتوجه إلى قاعة الاختبار دون أن أتصل به لأخبره أن الاختبارات بدأت وأطلبه الدعاء، كيف سيرسل لي عتابه في مجموعة العائلة أنني أنهيت اختباراتي ولم أتصل لأخبره وأطمئن عليه؟ لم نحمّل أنفسنا الأوجاع رغم ثقلها بتفاصيل كثيرة. لم يسحبنا الفقد في الشوارع والأزقة والصّور والملفات الصوتية ويجرّنا بكل خيوط الذكريات!
بعد فصول قضيت كل واحد منها بين ٦ مواد دراسية بمعدل ١٨ ساعة، أبدأ الفصل قبل الأخير ب٤ مواد فقط، وهذا يجعلني أستهين بالحضور لكنني أحضر، وأرى الدراسة كلعبة وألعب! حاولت أن أركز مع الأستاذ لكنني لا أُفلح كثيرًا، ... ٢١ سبتمبر ٢٠١٩م. ٣:٠٣ م.
خرجتُ من أوّل اختبار لهذا الفصل والضيق يُكدِّس نفسه فيَّ بطريقة ما، لا أعرف ماذا أكتب وقلمي غير جيد ويدي تؤلمني. وقفت قرابة الخمس دقائق في منتصف الدرج وأنا نازلة، لماذا سلمتِ الورقة؟ لماذا خرجتِ؟ لم أُحبطتِ هكذا؟ كل ما أذكره أنني واصلت طريقي وعندما وقعت عيني في عيني فتاة في الممر أشحتها بسرعة خشية أن تقرأ فيهما شيئًا. من يتحاشى النظر إلى عينيه في المرآة خشية أن يلمح كم تغير كثيرًا، خشية أن يرى فيهما صورة متغيرة للأحبّة وخشية المواجهة. ثم يعود أدراجه ويقف متحديًّا كلّ تلك الخشية ومُطلقًا مدافع دموعه لأن الأمر لا يمكن تجاوزه ولا يمكن تجاهله ولا التغافل عنه.
لعلّ أكثر ما يبعدني عن الكتابة هو هذا الحزن الطّافح، أتذكر المرّات التي ألغيت فيها متابعة فتاة بسبب الهلع الذي يصيبني من تغريداتها عن الفقد، أتذكر حالة اللاوعي من الصدمة التي مررت بها بسبب كلمات معدودة وأخاف تكرارها. لكن، في اللحظة التي نعيش فيها الشعور ذاته، نصبح نحن مصدر تلك الكلمات بل وأشدّ على أنفسنا وأقسى، نجلِدُ بقوّة لأن الألم خدّر الحواس في لحظة، ثم وما إن نعود إلى رشدنا نتجرّع مرارة ما صنعنا.
كلما زدت في التدوينة كلمة، زاد ترددي في أمر نشرها.. ثمّ أتذكّر التعريف الذي وضعتُهُ للسلسة #سوالف_خريج عن قصص تتردد في مذياع لا يصمت، وصوته لا يصل إلى مسامع أحد.
أتمنى أن لا تتأذى قلوب الأصدقاء بهذا.. نحن نتجاوز مراحل الحياة الثقيلة بالكلمات وبالرّفاق. وأتمنى دائمًا أن يدرك الرّفاق أهمية كلماتهم في قلوبنا، وأثر رسائلهم في دروبنا.
أروى بنت عبدُالله
٢ أكتوبر ٢٠١٩ م. ١:٢٤ ص.