الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

رسالةُ المسَاء | إلى المنهكين ..




هل يبدو الكونُ حزينًا لأنّ دمعاتك نزلت؟ هل تظنُ بأنّه سيقفُ ليشحنك بالطاقةِ التي تجعلك تواصل؟ هل تعتقدُ حقًا أنّهُ سيتلطّفُ لأنك تريد ذلك فحسب؟ هل إلقاءُ أمانيكِ إلى الريح أو الشاطئ سيجعلها تتحق؟ أو حتّى دفنهَا تحتَ كومِ تراب، هل ستثمرُ من عدم؟ 

إليك أنت المتعب من كُلِّ شيء، من لا شيء. إلى قلبك المخذول، أعني الخاذل نفسه. هل تظن بأنّ معجزةً قد تعيد لك الحياة؟ هل تنتظر تطبيبًا من غير نفسك؟ ألست المسؤول عن تعاستك وسعادتك بنفسك؟ ماذا الآن؟ تسخر من الألم الذي يعيشهُ الآخرون منكرًا ألمك؟ أنت تسخر من نفسك. لمَ قد تصبح عدوًّا للجميع بسبب خذلان صديق واحد؟ تعرف لماذا؟ لأنّه واحد. لأنّك لم تجرِّب ما مرّ بهِ غيرك من انكسارات. لأنك تجهل كمّ التجارب التي صقلتهُم، غيّرتهم، حرَّكتهم وأقامتهُم أيضًا. 

إنّ الخواءَ حولك يجعلك تنأى بعيدًا، إلى حيث لا أحد سواك. السّلام الذي تبحثُ عنهُ في داخلكِ، يسكنك حقًا. لكنك تغطيهِ بعمى بصيرتك التي اشتغلتَ عنها بانتهاك عذريةِ عينيك، بالصولِ والجولِ في برنامجٍ عابث وبرامجَ أخرى. التباعدُ والهُجران اللذان خلّفتهما كلمةُ ترابط المتمثلة في رمز صغير يُدعى وسيلةَ تواصلٍ اجتماعية، يجعلانك تَتَمللُ من أكثر الأشياءِ دهشةً. 

عندما تكونُ حزينًا، متعبًا ومثقلًا. انعزل لبرهة واستعد نفسك، لا تلقِ بالًا لمن يقولُ بأن ذلك خطأ. لا خطأ ولا خطر في أن ترفع نفسك بنفسك. هل تستخسر الوقت الذي تقضيهِ بعيدًا عن العالم الافتراضي بعلّةٍ كاذبةٍ تجعلك تظنّ بأن بعدك عنه بعدٌ عن أخبار العالم كلها؟ الزرُ الذي يقودك نحو بوابةِ القلق، لا توجه نظرك إليه. اللمسةُ التي تخون الوعد الذي قطعتهُ على نفسك، اكسر إصبعك عنها. الفكرة التي تصنع منك شكاكًا، أرسلها إلى مقبرةِ عقلك. عِش لنفسك بعيدًا عن صخبِ العلاقاتِ؛ وهميةً وواقعيّة. اكتفِ بعائلتك، بمن حولك في المحيط ولا تكترث بما يفعلهُ الآخرون. اصنع لنفسك وقتًا وحياةً ترفعك في الدارين، تجعلك أقوى وأكثر صلابةً عند مواجهةِ مصاعبِ الحياة. 


لن تتلطّف المعدةُ بقضمةِ نعناعٍ ألقيتها في فمك من كوبِ الشاي. لن ترتوي بجرعةِ ماءٍ ما سميتَ باسم الله قبل أخذها. لن تشبعك كسرةُ الخبز التي تناولتها صباحًا على عجلة. لن ترقى بالقراءة التي تفتعلها بلا تركيز. لن تفلح في تلوين الزهرةِ التي رسمتها في دفتر يومياتك. لن  تفعل ما لا تحاول فعلهُ بطريقةٍ مثاليةٍ صحيحةٍ لأنك منشغلٌ بغفلتك، غياب عقلك، طيران عينيك، بسرحانك في اللاشيء، منشغلٌ بالفراغ الذي لم تحاول الخروجَ منّه، بل وتُكابر مصرًا على البقاء فِيهِ بتعقل. ويكأنّهُ يستطيعُ تغييرَ نفسهِ بنفسهِ من تعقلكِ الأخرق! 


هل أنت غارقٌ للدرجةِ التي تجعلك ترمي بذرةَ برتقالٍ وسط البحر متأملًا نمو شجرةِ برتقالَ هائلة وسط البحر؟ هل عمليّةُ استزراعِ النعناع والخس التي قمت بها في مطبخ المنزل جعلتك تفكر بزراعةِ البحر؟ ماذا مزرعة في البحر؟ هل ستنعتُ نفسك بالحماقةِ لاحقًا لأنّك ما أحسنتَ الغرس وأسأتُ السقيا؟ .. #ماذا_لو كنتُ شجرةً عظيمة ممتدّة من قاعِ البحرِ ناطحةً السحاب أعلى كل شيء؟ 

#أروى_العَبريّة 
٢٦ صفر ١٤٣٧ هـ
٨ ديسمبر ٢٠١٥ م
١٠:٢٢ م الثلاثاء. 
-لا أسمح بنسخ النص، 
ولا جزء منه خارج المدونة. 
شاكرة مروركم- 

الخميس، 3 ديسمبر 2015

بعد الدعوة: هيّا لنحتفل ..




مرحبًا 
تعرفونني صحيح؟ 
أنا أروى .. 
أتيتُ لأكتبَ وِردي اليومي
وِردُ الحروفِ التي أسطرها،
دونما خُطّة .. 
... التي أُلقيهَا ولا أعرفُ عمَّ ستكون،
ولا أعرفُ إن كانت ستكتب نفسها أصلا. 
لا أعرفُ كونها بدايةَ قصّة أم مقال أم مسرحية
أو قصيدة .. 
لا أعرفُ إن كانت البدايةَ أصلًا .. 
لا أعرفُ من يقرأ 
من يتلهف ليقرأ 
من يشاركها 
من ومن 
ومن 
و 
لا أعرف. 
حتّى أنني أتخبطُ جهلًا هُنا ..
أجهلُ شعوري الحقيقي تجاه إكمال مدونتي عامها الثاني. لأنني وبداية كُلّ عامٍ جديد من عُمري أضعُ خطّة واضحةً لما أُريد تحقيقهُ. لكنني في المقابل لم أضع خطّةً لمدونتي. أكتبُ ما أكتبهُ لأنني أؤمن بأن الكتابةَ ممارسةٌ. على ذكرِ ذلك، وحسبَ ما ترددهُ الضامريّة دائمًا "اقرأ اقرأ اقرأ ثمّ أكتب". اممم، صحيح، عليك أن تقرأ وتقرأ وتقرأ ثمّ تكتب، لكن! القراءة وحدها لن تصنعك كاتبًا أبدًا. وفي المقابل، هُناك من يكتبُ ويكتب ويكتب دونَ أن يقرأ. وهذا خطأ فادحٌ آخر. يبدو الأمر محيّرا لكنّه حقيقةُ ما لا حقيقةَ واضحة فيه. حسنًا، إن اعتمدت على القراءة فقط لتصبح كاتبًا فأنت على الأرجح ستكون تابعًا لمن قرأت له. وقطعًا لن تصنع فنّك الخاصّ في الكتابة وفي أي مجالٍ آخر. ليست دعوةً لترك القراءة هذه المرّة لكنّها حقيقةٌ منسيّة، أنت تكتب ما تقرأ ولكن بصورة تمثل شخصك عوضًا عن شخص الكاتب وتمثل استيعابك لما قرأت. هذا، سبيل لتعلم الكتابة لكنّه سبيل يحتاجُ زادًا أكبر. زادًا اسمهُ دراسةُ الأدب لا قراءته فقط. هل تدرس ما تقرأ؟ أم تعبر عليه لتشحن عقلك بالمفردات والتراكيب أو الأفكار لتعيدها بقالبك الخاص؟ 

        - خرجت مما جئت إليه، وكتبت عن موضوعٍ استفزّني المتأدبون بهِ. الأدب ليس جمع الحروف ثم الكلمات ثم الجمل ثم ثم ثم النصوص، وإخراج كتاب يضمّها إلى بعضها رغمًا عن كل شيء. وضربًا بكل مفاهيم الأدب جهلًا. وقد قالها الأستاذ محمود الحسني شقيقُ معلمتي: "لا تؤلف كتابا بمجرد شعورك أنك تستطيع أن تكتب شيئا بحجم كتاب، وإنما حينما تشعر بأنك تستطيع أن تكتب شيئا مذهلا يستحق أن يكون في كتاب". وأنا أقولُ: تبًا للكتابةِ حينَ تُصبحَ بلا أساس أدبي، تبًا للكتابة التي تفسد فن الكتابة وتضرب بتاريخ الأدب عرض كل شيء.

"تَبَّتْ يَدَا ..." تبتّ يدٌ تكتب الأدب بقلّة أدب. رخُص الأدب حين رخُص الأدب الأخلاقي وانحلّت أُسس الحياء. ورخُصَ الأدبُ الأخلاقي حينَ رخصَ أدبُ الكاتب في عيونِ الكُتّاب، وحينَ غفلَ القراء عنهُ، وضاعوا بين كمّ الكُتب الها ا ا ئل. فجهلوا نقطة الانطلاق وتخبطوا بين العناوين، الأغلفة، أسماء المشاهير، الأسماء المستعارة، دور النشر، المعارض الدولية، المكتبات الالكترونية، تبًا تبًا. ضاعَ كُتَّاب الأدب بين تدشين كتاب وحفل توقيع و و و مهلًا. أنا أبحث عن أديب، أديب ترك كلمات أعرفُ أنّها لهُ من النظرةِ الأولى. 

هل أخبركُم شيئًا آخر؟ 
كنتُ أتحدّثُ ومُزنة عن شيءٍ مَا، طار بنا الموضوعُ كَمَا يطيرُ كُلّ مرَّة. حكيتُ لها بعض طقوسِ الكتابة. أجزم حينها بصدمتها خلف الشاشة. "يا للهول، ما هذ ا ا ا ؟" بين الحديثِ الطويل هُناك. استوقفتني جملتها "يبدو أنّكِ تحترمين ما تكتبين". بدأتُ أفكر لحظتها بجدية تامّة، هل أحترمُ نصوصي حقًا؟ ما الذي يجعلني أفعل ذلك إن كنت حقًا أحترمها؟ وما الذي قد يسبب عدم ذلك؟ أنا ألقي بعض النصوص عجلةً هُنا، وبعضها الآخر أركنهُ في زاويةٍ من غرفةِ الملاحظاتِ التي جاوزت زواياها ال١٢٥٣ ملاحظة. بينما عدد التدوينات هُنا لا يُجاوز المائة.  كنتُ قد كتبتُ مرَّةً: 
     " إنّ أسوأ فعل قد يرتكبهُ الإنسان بعدَ كتابتهِ. هُوَ أن ينشرها. نظرتيَّ السطحيةُ ذِه وحروفي المركونة في زوايا غرفةِ الملاحظاتِ هذه جعلتني أُحدّث نفسي فقط. أكتبُ لنفسي. وأرى في كُل ما أكتبهُ شيئًا لا يفهمهُ الآخرون، شيئًا يخصني وحدي. وأرى: أن نشرَها يُعطيها تاريخ صلاحيّة، تاريخ انتهاء، يومَ فناء. هكذا فقط، أُمحصّ الطقوسَ التي أكتبُ فيها أكثرَ من النصوص التي أكتبهَا. ذاكرتيَّ المرحومة/ تستصرخُ دائمًا. مخيخي الصغير، يحاولَ أن يكون كبيرًا عامّةً. يستعجلُ الأمورَ فقط. وكأنّهُ الأكثر اجتهادًا، أمقتُه حين يتوقعُ عددًا أو كلمةً. أمقتُ حساباتهِ المشاعريّة، وأتعجبُ دائمًا من حقيقةِ توقعاتهِ الفعليّة.

فكرةُ الكتابة بحدّ ذاتها تتضحُ من النصّ وتُظهر ما إذا كان الكاتبُ يريدُ أن يكتب ليكتب الكتابة فيه ليصعد بها، أم يكتب ليكتب فكرةً استحوذت عَلَيْهِ وعلى نصّهِ وأدبهِ وكُلّه. ومن الجديرِ بالذكر هُنا،". 

        - من المؤسف حقًا أنني لا أستطيع تذكُر: ما الذي كان جديرًا بالذكر هُناك؟ ومن المؤسف أكثر أنني أعرف سلفًا عدد القرّاء الذي سيمرّون على هذهِ الكلمات.  يجبُ أن تصرخ هذهِ الكلماتُ بنفسها. وتحاول صعود سلالم الانتشار بنفسها. كوني فتاةً لم يكُن لها تجارب نشر كثيرة لن يلتفت الكثيرون لما أكتبهُ هُنا. ومن المؤسف أنني لا أعرف ما إذا كانت الرسالةُ هذه ستصل للمعنين. بل ومن المؤسف أنّها وإن وصلت لن تلقى نصفَ التفاتةٍ حتّى. أصبحوا يقترفون الأدب لأنّهم يبحثونَ عَنِ المال. 
        - كما لا يعلمُ أمثال هؤلاء حقيقةَ أن النشر يتطلبُ مالًا للتصميمِ أولًا والطباعةِ ثمّ النشر. إنَّهُم يبيعونَ الكلمات بأربع مائة ألف دولار، كيف؟ من يصدق؟ الأمر سهل جدًا. كن مشهورًا تافهًا وستتهافتُ عليك الدور والمطابع، كُن مغنيا أو راقصةً أو حتّى ثرثارًا في مجتمعٍ لا يفهم. كُن قليلَ أدب وستصبحُ أديبًا قديرًا. 


*
بهذا أكون قد ألقيتُ كلمةَ الحفل، هل ستشاركونَ بشيء في حفلنا هذا؟ تفضلوا ... 

#أروىٰ_عبدُالله 
٢١ صفر ١٤٣٧ هـ
٣ ديسمبر ٢٠١٥ م
٢:٣٩ ص الخميس.