قد تعتاد التزامك بالأذكار، حتى تعمى عينك عن أثرها، فتغفل عنها شيئًا فشيئًا، ثمّ تتركها، تدخل من بعدها في دوامة غير مفهومة، كلّ شيء يسير لكن ليس بأفضل حال، تنقضي الأعمال بمشقة وتعب شديد، تتمّ الأوراد بجودة دون المستوى، شيء ما في الأرجاء يُحدث الفوضى في داخلك، ما الذي ينقصني يا تُرى؟
تنقصك الرُّوح يا صديقي، تعتاد وجود الذّكر فتردده كمن يتمّ واجبًا، تدخل في خضم أعمال الأسبوع الكثيرة، تتنقل بينها كأنّك آلة صمَّاء يجب أن تكون في المشهد، تجلس على كرسي الطالب مستمعًا لا تتفاعل إلا قليلًا، تحاول الانطلاق بعد ريّ ظمأك بالوِرد لا قبله، لكن ما زالت بعض الأيام تقتنص منك تلك الجرعات، فتخرجك عطِشًا لا يقوى على قول كلمة.
تصرخ أجزاء من جسدك تباعًا، استيقظ أنت متعب، توقف، توقف حالًا قبل أن تسقط، لكنك تتجاهل كلّ شيء وتمضي، حتّى سقطت بالفعل! انظر إلى حالك، جسد منهك لا يحملك إلى العبادة، مقصّر رغم أنفك بسبب ضيق النفس، ونائم رغم أنفك بسبب التعب العام، وقاعد رغم أنفك بسبب ضعفك، ومنكسر رغم أنفك بسبب عجزك، لا بأس، لا تخف، ها أبصرت الآن بعينِ التائب الآيب، لن يضيّعك الرحمن الرحيم أبدًا؛ فأنت مأجور رغم أنفك أيضًا إن سلّمت وآمنت ثمّ استقمت.
وانتبه! استعن بالله وتخفف من بعض ما ألزمت نفسك به، عُد إلى الذكر الذي غفلت عنه رُوحك بينما تردده لسانك، عُد فالأرواح لا تختلط وتتفاعل بغير قُرب القريب، ﴿رَفيعُ الدَّرَجاتِ ذُو العَرشِ يُلقِي الرُّوحَ مِن أَمرِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ لِيُنذِرَ يَومَ التَّلاقِ﴾*.
أقبِل إليه، يشرح صدرك وييسر أمرك، يوفقك للتّوبة ويفتح من الرحمة ما لا ممسك لها، وينزل عليك من سكينته وفضله ورحمته بسعيك في سبيله ما لا تجده في غير مجالس ذكره مهما هاجرت، أنت عبد الوليّ الحميد، أنت عبد اللطيف الخبير، فتحقق بهذا الوصف تغنم، وتمسّك بالوحي تُهدى وتحيا، سقى الله قلبك من أوراده وبلّغك رضوانه.
أروَى بنت عبدالله
٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٥هـ
١٢ نوفمبر ٢٠٢٣م
١٢:٣٠ص. ليلة الأحد.
*[سورة غافر: الآية ١٥]