الأحد، 13 مايو 2018

رسالة | إلى كل طالب جامعي أو مدرسي أو حتى خرّيج ..


كنت أفكّر لوقت طويل بالأرقام، بالدرجات بشكل أوضح، بقائمة شرف العميد، بنِسَب الثانوية، وفرق أرقام ما بعد الفاصلة في معدلاتنا الجامعية. 
ترنّ في أذني كلمات أبي وقت كنت غارقة في بكاءِ ما بعد نسبة الثانوية، إلى أين وصل هو بنسبته وإلى أين وصل آخرون، كيف أن النسبة منحتهم البعثة الأولى وسجنتهم في جدران وظيفة واحدة إلى الآن، وكيف أن دراسته الأولى التي لم يجعل لها المحيط اعتبارًا أخذته منها إلى الماجستير والدكتوراة والمحاماة وكل شيء. كيف أن رزق الله لا يرتبط حين يكتب للإنسان برقم محدد، أقرّه فكر المجتمع أو سياسات التعليم. 
أتذكر أيضًا كلمات البروفيسورة التي زارتنا في محاضرةٍ ما وراحت تعدد لنا بعض طلابها الذين درّستهم في الجامعة، وقد كانوا يومها أساتذتنا في الكلية، كيف صرّحت بأن الأستاذ فلان كان متميزًا والأستاذ فلان كان بين بين. ومع ذلك، كنّا نُجمع على أن الرقم لم يكن كل شيء، لأن صاحب معدل ٤ أستاذ في البرنامج التأسيسي، يحترم طلابه ويحترمونه كثيرًا، وهو كاتب مقالات في موقع ما. والطالب الذي تكلمت عنه بنظرة استصغار وقد كان أستاذنا في نفس الفصل، أكمل درجة الماجستير، له مشاريع حرّة ناجحة، ومشاريع تعليمية في محيطه وفِي المؤسسة التي يعمل فيها. نحترم الأوّل كثيرًا لأنه بحر في مجاله، ونحترم الثاني كثيرًا أيضًا لأنه واسع الاطلاع ومجرّب في مجاله. 
لم يكن للرقم ولا لنظرتها العقيمة أهمية أبدًا، لأننا ندرك تمامًا معنى أن يحقق الإنسان نفسه حيث يراها لا حيث يريدها الآخرون، حتّى سخرية الطلاب لم تتوقف من نظرتها للأمور وضربها مثالها العقيم في معلمينا. 
مررت اليوم على اقتباس تقول صاحبته: "‏أنت مسروق. حياتك أرقام، تقيس كل شيء بمنطق الرّبح والخسارة.. خسارتك الحقيقية أنك لم تخسر شيئًا، وامتلكك كل شيء". 
عادت سيناريوهات كل ما فكرت به في لحظة، لقد كنت أتساءل بداءة هذا الفصل، وأخير نفسي بين أن أكون جدارًا بمعدل 4 أو إنسانًا طبيعيًا بمعدل 3 وفواصله، اخترت أن أبقى كما أنا، لا أتحمل فكرة أن أكون آلة بيد الأرقام والألسنة، لكنني عزمت ككل مرة أن أرقّع النقص حيث وقع وأن أطوّر من قدرتي على الموازنة بين الأرقام والحياة. 
كنت أتحدث مع إحدى الصديقات عن هذا الأمر أيضًا، بعد اختبار مادة الإحصاء يوم الخميس، ساءها ما ساءني من أخطاء غبية وقعنا فيها في الاختبار، كنّا نعددها ونضحك عَلى أنفسنا، هل معنى هذا أننا لا نكترث؟ أو أن الأرقام لا تهمنا حقًّا؟ هل تعمدنا الخطأ ودخلنا عابثين ثم خرجنا دون أن نراجعه؟ هل رضينا لأنفسنا الدنى ونحن نؤمن أن العلياء قريبة جدًا وكنّا على الهاوية لكننا اخترنا السقوط؟ لا يمكن، بل يستحيل الأمر. لكن؟ "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" هل جعلنا هذا نتواكل؟ لا والله، سعينا وسهرنا ليالي طويلة، صلّينا الفجر وتوجهنا إلى الكلية من السّادسة، نراجع بعض الدروس لأن الاختبار صباحًا، "وقل اعملوا فسيرى الله" يعلّم الله ما لا يعمله أستاذك، ولا والداك ولا أصحابك. يعلم الله ما تعمل. 
آمِن أن ما بين يديك هو رزقك المكتوب وما سعيك إِلَّا سبب وصلت به إلى ما كتب لك، واشكر الله عليه، اشكر ليدوم عليك فضله ويضاعفه لك "لئن شكرتم لأزيدنكم" وعدك الله بالزيادة فلا تتخاذل ولا تعجز، قل بعد معرفة كل درجة اللهم لك الحمد حتى ترضى ولَك الحمد إذا رضيت ولَك الحمد بعد الرّضا. 
كن عونًا لزملائك، أحبّ لهم من الخير ما تحبه لنفسك، تذكر أَنَّكُم تخوضون رحلة العمر، لا سباق فوز وخسارة، فوزكم واحد وخسارتكم واحدة، لأنكم بنيان مجتمع واحد وأمّة واحدة، لا تأخذك نزعة الفردية والأنانية عن قول كل ما تعرفه لمن حولك، ولا تنتظر منهم خيرًا وإحسانا، احتسب وقتك الذي تقضيه بينهم في مدارسة العلوم لوجه الله، "لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا" أخلصه لله، لله فقط. 
انتبه لأقدامك عندما تخطو إلى قاعة المحاضرة أو الاختبار، حاول أن تلحظ التفاصيل الصغيرة هذه، وجدد فيها نيتك، طلبُ العلم كالصّلاة، فريضة. أخلص سعيك لله ولا تأخذك المراكز مأخذ غرور، قدّم مصحفك على كل كتبك، استفتح به مراجعاتك ليزهر في قلبك ربيع الذكّر وتنتعش نفسك باسم الله، "ففهمناها سليمان وكلّا آتينا حكمًا وعلما"، رددها ما استصعب عليك أمر ولا تسخر من نفسك ولا من فهمك عندما يتعسر عليك ما تيسر للآخرين، درب الصاعدين الذي تسلكه لا يُرقى بالسهولة التي تتخيلها، فجاهد نفسك.    

 اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، ربي يسر لي أمري واشرح لي صدري واحْلُل عقدة من لساني يفقهوا قولي. 
💙
أروى بنت عبدالله 
١٧ شعبان ١٤٣٩ هـ. 
٠٤:٠٥ م | ٣ مايو ٢٠١٨ م.