الجمعة، 5 أغسطس 2016

من الذي قال بأن الكتابة ستريحكم؟




ثلاث فناجين قهوة تشتكي الفيضان بعد وجبة غداء متأخرة كانت كفيلة بإثارة بكتيريا القرحة في معدة فتاةٍ ما. الخِناق الذي يشدُّ مِئزَرهُ على خاصرةِ الأيّام التي تعدو بسرعةٍ شرسةٍ محاولةً افتراسَ نفسها كفيلةٌ بإبعادي كلَّ البعد عن رقعةِ الشطرنجِ التي تتناطحُ فيها ثيرانُ الأفكار بشكلٍ عشوائي ومبتذل كمسرحيّة هزلية لم يضحك فيها أحد. 

-نوم- 

من الكاذب الذي قال بأن الكتابة تُريح النَّفس وتمنحنا فرصةَ التنفس من جديد؟ كيف يمكن لهذه اللعنة التي تصيب أجزاء كلّ شيء بالجنون أن تكون مُسَكِّنةَ آلام أو مطبطبةَ جروح؟ كيف تتحوَّل حديقةُ الأقحوان الجميلة إلى مردمٍ للنفايات الصناعيّة، بعد أن منحت العطر ما منحت من رائحةٍ تُسكِر كثرتهَا لياليَ السَّمرِ الطويلة! 

-نوم-

كيفَ يُمْكِنُ لفتاةٍ بعباءةٍ سوداء ثخينة منسدلة بخِفة لا يظهر منها سوى أطراف زرقاء، ووجه باهتٌ من خُضرَتِهِ وملامحه الجامدة كليًّا مقارنةً بعينيهِ السابحَتين في بقعة ضوء صغيرة، وسطح قاعة دراسيّة أبيض بأضواء صفراء تُسبب الصُداعَ وتستجلبُ النَّوم. النَّوم. 

-صداع،
جدارُ الغرفةِ يدورُ ..
عينا الفتاة النائمة شبه مفتوحة،
شيءٌ ما يحاولُ الخروج منهما
يبدو كطائر، ألمحُ ظِلّ رفرفةٍ قاتم
نصفهُ مفصولٌ عن نصفِه،
سببُ تباعدهما القسرِي، 
يتجلى كصورةٍ مقطوعة 
سقطتْ مع ريشةٍ من جناحِ العينِ اليُمنى-


الكواكب كلّها تُضيء، وحدي كبلوتو المظلم، قارصِ التفاصيل ببروده، و ... ثِقله رغم صِغَرِه. ما الذي قد ينطوي فينا دون وعي بيّن؟ الكينونة المخبوءة في الإيمان التّام بالعقل بعد ارتداد القلب عنه، ما الذي يلوي ساعدهَا هكذا ويمنع خروجها من سطوته؟ ما الذي يجعلني أسطِّر كلّ هذه الترهات بلا معنًى؟ 
يبدو -وأخيرًا على الأرجح- وجود إجابة للسؤالٍ ما! 
أُسطّرها كعريضةٍ تتطلبُ توقيعي يمينًا ختام ورقتها الأخيرة، لأُغادرَ سِجنَ المنطق الممتثل في صحن من ذهب مُقَدِّمَةَ جباه كلّ الذين يكتبون تخففًا. توقيع وهمي على قارئ صغير كآلة حاسبة في مركز الشرطة، وهم كضحكة الشرطيّة المتعجبة من فهاوتي التي جعلتني أصل عندها بينما تنام بطاقتي الشخصيّة مع مجموعة أوراق ملوّنة في مكتب حياتي الأبيض في المنزل، لأُغادرَ بلا إتمام أي إجراء. 

-عدت، أخذت بطاقتي 
وقصدتها مجددًا..
الظلّام مفيد، الظلام يشرح السّعادة لأنه لا يسعُ الحزن، فيه هالة لامعة جميلة لا يتمتع بها دُعاة الضوء، كنشوة بعيدة لا يصلها المُغفلون بلا قلق يساور أرواحهم- 

الحياة ليست لُقمَةَ أرزٍ أبيضَ أصبحت سائغة لأنّ رشَّة الملح التي حُذفت عليها كانت محسوبةَ الحبّات ذَرَّةً ذرّة. والكتابة كذلك، ليست فعلًا أو مهارةً نجلس إليها مستجلبين دخان تعويذة ترفع أكتافنا كأثقال مركونة إلى بعضها في آلةٍ على يمين صالةٍ رياضيّةٍ. إن لم تكُن مما يرفعك ليسقِطَك إلى دركٍ أعمق فهي هواية تسير على سكّة قطار نفقي، تبحث عن دائرة ضوء تمدُّ يدها نحوها لتُمَدِّدَ طولهَا وترفعها، هواية قد يدهسها قطار الأيام إذا لم تَحرِّكها بعزيمةِ جعلها تجليًّا كموهبةٍ هزمت خوفها ووقفت على مسرح يوناني بعد محاولات اغتيال كثيرة. 


الرَّسولُ الأخير صلوات العظيم عليه قال مرّة أن المؤمن لا يَكُونُ كاذبًا أبدًا. هل تؤمنون بالتفاصيل الصغيرة التي قد تحيلُ حياتكم إلى وَيْلٍ سحيق؟ تلك التي ترسم نفسها في سيرورة، كاقتباسةِ حريّة وجدت نفسها معلَّقة وسط جبينِ السجن بخطٍّ أحمرَ متراقص، لا تصلهُ أصابعِ المُنظِّفات. تؤمنون بالنّعيم المتمثل في انحناءةِ مُسنٍ إلى طفل بَاكٍ؟ سجدة مُسن انزلق من كُرسيّ صلاته؟ 
بداءةً، ...

-ماذا؟ 
كيف أتت البداءةُ بعدُ كلّ ذلك الهذر؟ 
ما مكونات نَصّ حصل على مقدمةٍ كهذه؟ وما الخاتمةُ التي يُرجَّحُ أن يُختمَ بها؟ لا يفكر المجانين بذلك، بل ويختمون الحديث عُنوة، وكأن شيئًا لم يكن، دون زيادةٍ أو نقطة حتّى تُمسك نهاية الحديث من سقوطه بين يدي متابع/ معجب/ قارئ أو حتّى ناقد! - 

على كُلٍّ، البداءةُ في السؤال الأوَّل من الفقرة الثانية في الأعلى. سَلَام ..

أروى بنت عبدُالله 
٢٨-٢٩ شوال ١٤٣٧ هـ. 
٢-٣ أغسطس ٢٠١٦ م. 
٦:٣٢ م - ٢:٤٠ ص. 
الثلاثاء - الأربعاء.