السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أجيدُ صفَّ الأعذارِ، وقد اعتذرتُ سلفًا عن حادثةِ تأخيرِ هذِهِ الرسالةِ الموقرةِ بسببِ عنادهَا. التي بقيت تصولُ وتجولُ في ذاكرتي وحتّى مخيّلتي حتّى هذه اللحظة التي أكتبها فيها. أفكر أحيانًا بإمكانيّةِ نسيانِ الأمورِ التي أكتبها، ما ألبثُ قليلًا حتّى أقول لنفسي: لا لا يمكن، الكتابةُ تجعلّها قابلةِ للتذكّرِ أكثر لأنها خُلدت مرصوصةً إلى بعضها. ثمّ لوهلةٍ أظن بأنها تخفف حِمل الذاكرةِ لتمنحَ المخيلةَ مجالًا أوسع وأوسع. وكلّ هذه الاحتمالات، ما هي إلا وساوسُ بشري، لم يجد ما يفعله في الحياة بأريحية تامّةٍ ودونَ تكلُّفٍ سوى الكتابة.
لا أعرف حقًّا ماذا تريدُ مني الْحَيَاةُ ولا ما أريدهُ منها. بعد الأعوام التي بقيتُ فيها أقتاتُ كلّ شَيْءٍ من أُمي وأرتوي من عرقِ أبي. تبدو مواجهةُ المستقبل فكرةً مخيفةً تدفع بي نحو الشتات والحزن، وغامضةً للدرجةِ التي تغذّي فضولي. أراني في أحيان كثيرة، كقنبلةٍ موقوتة تكوّنها التناقضات والقلق.
العاملةُ هُنَا تقرأُ مقالًا بالإنجليزية، وتسلّمُ على المارّة وتصافحُ النساء. يتوجسون منها خيفةً فيتجاهلونها، ما المخيف في امرأةٍ بتجاعيدِ وجهٍ تجعلنا نخمّن عُمْر خبرتهَا في الحياةِ، وفي يدها المتعطشةِ إلى يدِ عابرٍ يمسحُ على انحناءاتها بلمسةٍ خاطفةٍ جدًا. حدودُ نظّارتها الذهبيّة ذكّرتني بالأجدادِ وشخصيّاتهم التي تتقلبُ كثيرًا. أهي جدّةٌ بعيدةٌ عن خصلات شَعرِ أحفادها الصغار؟
قبل خروجي من المجمع التجاري، كنتُ أختارُ عصيرًا أروي بهِ عطشي وتعبي الذي بدا متلاشيًا لولا حسّه بعد تلك المحادثةِ السريعة. أخذتُ عصيرَ طماطم -متناسية كرهي الكاتشب، ومتعللةٍ بمذاق الطماطم الطبيعي-، قلت لأجرّبهِ بعدَ انقطاعِ أربعةَ عشر سنة، أي منذُ وفاةِ جدّتي التي تحبّهُ وتشربهُ كثيرًا. لعلّ السبب الذي جعلني أختارهُ، هو ما جعلني لا أفتحُ علبته حتّى فقدَ برودتهُ وحتّى اللحظةِ التي أغربل فيها تفاصيلَ ختامِ الرسالةِ هذه.
يبدو أمر توجيه الرسائل العامَّة مريبًا. قد أتذكرُ شيئًا وددتُ لو كتبته بعد أيام أو أشهر. لكنّهُ ممتع، إذ يكشف لك جانبًا لا تعرفهُ عن نفسكِ بعد رؤية ما وَجَّهتَهُ للآخر، يومًا ما.
دمتُم بودّ،
أروى بنت عبدالله ..
١٢:١٢ ص | ٢٥ شعبان ١٤٣٧ هـ
الأربعاء ١ يونيو ٢٠١٦ م.