الأحد، 22 مايو 2016

الريحانُ مريض.



الريحان مريض. شتلات النعناع الصغيرة مريضة. لم أستنشق هواء العصريّات الذي اعتدته منذ ثلاث أسابيع على الأرجح، اخضرار عيناي تلاشى وما عدت أراه إِلَّا في الصور. 
أصابعي متجمدة وأنا أكتب هذه الكلمات من تحت بطانيتي عوضًا عن رفع نفسي وإقامتها لإغلاق جهاز التكييف بضغطة زر. 
الكتاب الذي بحثت عنه أشهرًا طويلة وانتظرت وصوله، علقت في صفحتهِ التاسعة بعد الثلاثين منذ خمس عشرة يومًا. 

القاعات الدراسية تلعب لعبتها في جعلي أواجه وجوه جديدة في ثلاث مقررات الفصل الصيفي الذي بدأ منذ أسبوع، واستنادًا لما رأيته من معلمِّي الجدد وجدتُ أن علي العمل على نفسي بشكل كلي. 

الاختلاط المقيت يزداد جرأةً يومًا بعد يوم، الحديث عن أدق الخصوصيات بين الجنسين أصبح مسموعًا للجميع بشكل طبيعي جدًا، ومقزز. 

التملص من المجتمع ليس صعبًا، اتخاذ زاوية في مساحة الاستقبال أمر سهل، الجلوس إلى طاولة في زاوية المطعم سهل أيضًا، كما أن المصلى فارغ لمن أراد قضاء استراحته فيه أو حتّى أخذ قيلولة. 

ومع ذلك، أجدني في أحيان كثيرة مجبرة على الجلوس إلى جماعة تفرض وجودها حولي أينما ذهبت، منها أرى أنني أكبر من أن أركن نفسي إلى رف في مكتبة أو أصيّرني سجادة صلاة، وأضعف من أن أكون شجرة تواجه أتربة مرتفعات بوشر والشمس الحارقة. 

مرّ الأسبوع الأول بكل فروضه وبدأ الثاني وأنا لم أفتح كتابًا لأدرسه بجديّة، كما لم أُقلب كتبي حتّى. المطالعة التي لطالما شُغفت بها تلعبُ الغميضة في مكانٍ ما. وأنا مخبوءة في أوراق مسوّدة مهملة لم أكلف نفسي عناء رفع غلافها وتحريرها. 

أرجو أن يكون فصلًا لطيفًا، وأن أعود تلك الفتاة التي تُخيف الناس بشغفها المفرط بالاطلاع على كل شيء، التي لا تفوّت أي كلمة تواجهها في الحياة لأنها تؤمن بأنها ستنفعها يومًا. 


أروى ١٥ شعبان ١٤٣٧ 
الأحد. 

الأحد، 1 مايو 2016

قراءة في كتاب #اختراع_العزلة لـ بول أوستر




موقف فقدان العضد الذي يستند عليه أي شخص في الحياة يحمل مشاعر لا يمكن الاستهانة بها. وهذا ما ظهر من بول أوستر وهو يحكي تفاصيل التفاصيل عن والده، بالرغم من كونه لم يعش معه اللحظات التي تعكس روح الأبوة. كتاب "اختراع العزلة" ليسَ رواية عابرة، إذ هو كتاب فكري يُحلل فيه الكاتب العزلة التي عاشها والده بصور شتى بدءًا من نمط حياته قبل زواجه وبعده وبعد انفصاله وعندما مات. 

بعد أن أنهيت الرواية وقبل قراءة كتاب الذاكرة الملحق في آخر الكتاب، التفتُ نحو أمي التي كانت جالسة على بعد سنتيمترات معدودة على يميني وقلت: يا لشجاعة بول أوستر! لقد فضح الحياة المشبوهة التي عاشتها جدته، ووارتها بتنقلها من أرض إلى أُخرى. حياة الشتات التي عاشها والده والتي قد تكون سببًا في تكوّن شخصيته الجافّة تجاه ابنه وابنته وزوجته والحياة من حوله حتّى. قد لا تضيف الشجاعة التي عاند بها أو العناد الذي تشجّع على إثره ونشر ما نشر إلى العالم شيئًا لكنّه عكسٌ لطبيعة الإنسان التي لا تتحمل السوء الفاحش الذي تعرفه بعد بحث طويل دون أن يكون بين يديها الخيار لتغيير شيء فيه. لذا فالطريق الوحيد المتاح أمامها لنقل الحوادث السوداء هو الكتابة، الكتابة الحرّة التي تجعلك ترى العالم بصورة حقيقية لا زيف إعلامي من كلام الجرائد المتداول، الجرائد التي نقلت براءة جدته وحزنها وأسفها الزائف.
حياة السّيد سام كانت لنفسه، الصورة التي تتبادر إلى الذهن سريعًا. إذ أنه لم يترك أثرًا يذكر لابنه بعد رحيله من حياته. ولم يتأثر من انفصال أسرته عنه لأنه لم يكن معهم منذ البدء. على الرغم من كونه يعتني بحي فيه مبانٍ له يأجرها لأُسر تعيل نفسها بصعوبة، يساعدهم في صيانة ما يحتاجون ويتساهل معهم في دفع قيمة السكن. إلا أنّه لم يكُن أبًا قط. حياته لا يمكن أن تختصر في كليمات هُنا وإلا لما كُتب الكتاب ذا أصلا. عاش بنمط معروف، متعلقاته التي ذكرها بول تصيب القارئ بالكحة لتكدس الغبار فيها، إذ كان يعيش برتابة تعكس داخله كما يظن من حوله، وذلك قطعًا بسبب المراوغة التي يعيش بها معهم.

 في النهاية أحسبني سأنتظر كتابًا آخر باسم السيد أوستر يقدّمه ابنهُ دانيال بقوله: هذه الحلقة المفقودة في شخصيّة جدي والتي لم يجدها أبي لأنه لم يبحث في حديقة المنزل عن أي مذكرات. إذ لم ينقل بول شيئًا حيًا عن والده، كانت كل الصور ميتة بشكل باهت جدًا. الكتاب من العيار الثقيل، نفسيًا وفكريًا. يستحق تقييم الخمس نجمات لولا بعض الشتات الذي يعكس الضغط الذي يمر به هذا الشاعر في "كتاب الذاكرة" الذي ختم به الكتاب.


أروى بنت عبدُالله  
23 رجب 1437 هـ
30 ابريل 2016 م
السبت.